منذ وفاة أمي قبل حوالي سبعة أشهر وأنا يشغلني موضوعا واحدا أومشكلة واحدة وهي الوحدة التي أصبح يعيش فيها أبي بعد وفاة أمي، أبي حاليا في السابعة والستين من عمره،وهو مدرس متقاعد، وقد كان ابي ولا زال مولعا بالقراءة، وأدين له بالفضل لأني تعلمت منه هذا الولع في سنوات عمري الباكرة،ولم يكن إخوتي يتشجعون للقراءة مثلي ، وكانت أعظم هدية يقدمها لي أبي هي مجموعة من الكتب والقصص.
بعد وفاة أمي أصبح ابي يجد سلواه في القراءة، ولأن غزة محاصرة ومن الصعب الحصول على كتب جديدة فيها فقد بدأ في قراءة الكتب القديمة من مكتبته، واكتشف أن هناك كتبا كثيرة قد اشتراها ولم يقرأها لأنه كان مشغولا بعمله في السنوات الماضية، وبدأت في كل مرة أذهب لزيارته نتناقش سويا في كتاب ما أو أقدم له كتابا جديدا لم أقرأه أنا نفسي بعد……
أصبح ابي بعد أمي يشكو من الملل وخاصة في الفترة الصباحية، وهو ليس من هواة متابعة التلفاز ولكنه يعشق سماع الراديو ولا زال يحافظ على عادته للاستماع إلى محطتي مونتي كارلو واسرائيل الناطقة بالعربية، ولذا أعرف منه أخبار النشرة الجوية كل يوم ، ولكنه ليس من عشاق التلفاز ، وهو يقسم أنه لم يفتح التلفاز بعد وفاة أمي لمدة ساعة متواصلة..
فكرت كثيرا ولا زلت أفكر في طريقة اساعد ابي على قضاء وقته ، فأشقائي يكونون في عملهم في الصباح، وزوجاتهم منشغلات بأطفالهن ، وأبي لا يطيق الأطفال ولا العناية بهم، ويفضل أن يبقى في شقته في الطابق السفلي من البناية المكونة من عدة طوابق.
فكرت كثيرا حتى جاءني ذلك الخاطر، لم لا يتعلم أبي استخدام الكمبيوتر ومن ثم يتصفح الانترنت بمواقعه، طرحت عليه الفكرة ولكنه رفض تماما ، فهو رجل تقليدي في المقام الأول ويصر أن يبقى كذلك رغم افتقاده لمظاهر التقليدية في حياته منذ منع الصحف من الوصول لغزة، ويعتبر وجود الكمبيوتر في بيته نوعا من الردة هكذا قال لي : اعوذ بالله يابنتي
أناأختم القرآن الكريم كل خمسة ايام مرة، هل تريديني أن أترك القرآن وأتصفح الانترنت؟؟
يعتقد ابي كما يعتقد البعض أن الانترنت هو المرادف الأول للانحراف ، كما تعتقد حماتي ، وقد حاولت أن أقنع ابي بمزايا الانترنت وبأنه يستطيع قراءة كل الصحف التي منعت من الدخول لغزة.
طبعا أبي رفض ،وحين أخبرت أولادي بفكرتي ضحكوا جميعا ولم يتوقفوا عن التعليقات، ومنهم ابني المراهق الذي قال: وافرضي يا ماما سيدو صار يفتح ع المواقع اللي بالي بالك…………..
انتهرته غاضبة وأناأقسم له أن ابي من القديسين، ولكني ابتسمت وتذكرت قصة احسان عبد القدوس التي تحولت لفيلم ,هي قصة أبي فوق الشجرة عن ذلك الأب الذ ي أراد أن يحمي ابنه الشاب من عاهرة تعرفها في كباريه ، فإذا به يقع في حبالها، وقد كان عنوان القصة موحيا جدا لقصة كهذه عن الأب الذي ينزل طفله عن الشجرة ولكنه لا يعرف كيف ينزل هو؟
بالطبع أبي لا يمكن أن يقتنع بأن يتصفح الانترنت ، وأن يستبدل الكتب والمذياع والصحف القديمة المصفرة الأوراق والتي يصر على تصفحها، لا يقبل أبدا أن يستبدلها بصفحات جوجل ، ولكني لا زلت مصممة على العثور على طريقة لاقناعه، ورغم أن ذلك سيكون صعبا ولكني مصممة ، وأفكر أن الرجال بعد وفاة شريكة العمر يقعون في مشكلة حقيقية وعلى من حولهم مساعدتهم، ولكن الاقتراح الاجمل الذي يقدمه كل من حول أبي هو أن يتزوج ثانية………..!!!!
وعجبي عليكي يا بلد ولي بقية لحديثي حول هذا الموضوع
سمااااااااااااااااااااااا