وأزور بيت ابي كما تعودت كل خميس من كل أسبوع، انه بيت أمي ، تلك الذكريات ابتداء من رائحتها حين ألف وأدور في البيت وانتهاء بمكنسة القش المصنوعة من خشب الأرز كما كانت تقول أمي والتي كانت تضعها خلف باب البيت الصغير وتعنى بها رغم أن هناك مكنسة كهربية تقبع في صندوقها الكرتوني ولا أذكر أنها قد استخدمتها ذات يوم…….
هناك وصية كانت عبارة عن رسالة شفرية بين عيني وعين أمي وهي في طريقها لغيبوبة طويلة حين دخلت المشفى للمرة الأخيرة
لم تكن هناك امرأة في اعتقادي تحب وتحرص على أشيائها كما كانت امي تفعل، ولذا شعرت أنها توصيني بها، كانت أمي مخلصة لأبي ومخلصة لعائلتها ولم تحب عائلتها الأصلية كما أحبت أبي، عرفت متأخرا جدا أنها تزوجت أبي بعد قصة حب طويلة وبعد ممانعة من عائلتيهما، ولكن حبهما انتصر فقد كانت الجيرة تجمعهما، وعرفت أن الحب الحقيقي لا يموت بتقدم العمر وحتى حين أصبحت أمي كومة من عظام في أيامها الأخيرة
أعتني بكل شيء يخصها وحرصت عليه في حياتها……..
تلك وصيتها التي لم توصني بها
بعد انتهاء أيام العزاء دخلت بيتها……… كان باردا وكل شيء يجلس في مكانه بانتظارها
مصحفها
ملابس الصلاة التي كانت ترتديها
مسبحتها
البطارية الصغيرة التي كانت تضعها بجوارها حتى لا تتعثر في الظلام ان قصدت الحمام أو أداء صلاة قيام الليل
ساعة المنبه الصغيرة أيضا
علبة الكريم التي اعتادت أن تدلك بها كعبي قدميها قبل أن تنام
مشطها
جواربها
كل شيء كان في انتظارها
ولم تعد
وكل شيء كورته على سريرها
وتركته ينتظرها حتى الآن
ستة أشهر مضت على وفاتها
وأشياءها تلك تنتظرها
ارفعها حين أتمدد على سريرها الصغير
وأعيدها كما كانت حين أنهض تسبقني دموعي وذكرياتي
أحصى كل أدوات مطبخها حتى لا تسطوعليها زوجات إخوتي الذكور
وأعد مناشفها ومخداتها ,الحفتها وبطاطينها وكل ما يخصها
أغسل كل شيء وارتب كل شيء كما كان
أكتشف أن هناك أشياء نحبها ونتركها
ولكن رائحتنا تبقى عليها
أتخيل أطباقها تناديها
ربما بعضها لازال يحمل بصمات اصابعها
كم كانت حريصة عليها؟؟؟ وكم كانت ساذجة حين اعتقدت أنها ستبقى لها
لأنها رحلت وتركتها لي
ذكريات تملأني دمعا حتى أموت……………..