الهوية والوجود في شعر محمود درويش
مقدم إلى مؤتمر الإنسان والمجتمع الفلسطيني في إبداعات محمود درويش
قسم علم الاجتماع / جامعة بيت لحم
إعداد
د.سعيد عياد
جامعة بيت لحم
محور البحث : الهوية، الكينونة ومغزى الوجود في قصائد درويش.
الفهرست
الرقم
|
الموضوع
|
الصفحة
|
1
|
ملخص البحث
|
3
|
2
|
الفصل الأول
|
|
|
مقدمة البحث
|
6
|
|
مشكلة البحث
|
8
|
|
أسئلة البحث
|
8
|
|
أهدف البحث
|
8
|
|
أهمية البحث
|
8
|
|
محددات البحث
|
9
|
3
|
الفصل الثاني
|
|
|
عوامل تكوين الهوية
|
12
|
|
عوامل التأثير على الهوية الفلسطينية
|
12
|
4
|
الفصل الثالث
|
|
|
منهج البحث ومجالاته وعينته
|
17
|
5
|
الفصل الرابع
|
|
|
مظاهر التعبير عن الهوية في شعر درويش
|
19
|
|
مميزات الهوية في شعر درويش
|
20
|
|
أبعاد الهوية في شعر محمود درويش
|
28
|
|
خلاصة عامة تركيبية
|
31
|
|
التوصيات
|
33
|
|
المراجع
|
34
|
ملخص البحث
يتناول البحث الهوية في شعر محمود درويش. إذا أن دراسة بعد الهوية في شعر درويش من الأهمية بمكان للتعمق في قدرة الإبداعي على تشكيل رؤية لمفهوم الهوية بحيث تحتفظ بقيمها المطلقة وسماتها المميزة وفي ذات الوقت تتماهى مع الأخر في العمق الإنساني.وقد حفز الباحث لدراسة هذا الموضوع، إذ لا حظ أن جل الدراسات السابقة تعرضت لدراسة مفاهيم عديدة في شعر درويش، منها الأرض، الوطنية، الانتماء، الحرية ، المرأة، تناولها الشاعر بدلالات مختلفة وبأبعاد رمزية أحيانا وبماشرة أحيانا أخرى.وتبين للباحث أن بعد الهوية والوجود لم يحظ بدرجة الاهتمام ذاتها التي حظيت بها الأبعاد الأخرى من الباحثين.
لقد اتبع الباحث المنهج التحليلي أسلوب تحليل النص، لتحليل عينة قصدية من أشعار محمود درويش، بهدف فهم دلالات الهوية ومنطلقاتها ومكوناتها وأيضا كيفية التعبير عنها.والباحث لم يتعرض للنصوص الشعرية بالنقد لأن هذا ليس من غايات البحث.
وقد خلص الباحث إلى استقراء عام للنصوص الشعرية المختارة محددا مكونات الهوية في شعر درويش، التي يمكن صياغتها في إطارين هما الوصف الظاهري لمكونات الهوية ومنها المكون الأزلي، المكون الاقتصادي، المكان، الموروث الشعبي، العيش والتسامح، والوصف الجوهري أو النفسي لمكونات الهوية ومنها الاصطبار، والأمل والثبات.
ولم يقف محمود درويش عند الأنا في تحديد مكونات الهوية الفلسطينية بل استطاع أن يتجاوز القطري الوطني إلى القومي إلى الإنسان.فمكونات الهوية قد تتداخل في إطارها العام مع مكونات الهوية العربية عموما فالهوية الفلسطينية في عمقها مكونات عربية، وأيضا قد تتداخل مع مكونات هويات غير عربية، فلكل هوية مكون تاريخي واقتصادي واجتماعي….، ولكن ما يميز مكونات الهوية الفلسطينية أن تشكيل كل منها له تفاصيل مختلفة مستمدة من موروث تاريخي وثقافي فيه خصوصيات كثيرة.
وخلص الباحث إلى تصور عام لدلالات الهوية ومكوناتها في شعر درويش.فالشاعر لم يستدع عناصر الهوية الفلسطينية / العربية لتكون حاضرة في شعره فقط أثناء الحروب والمقاومة، والتي عادة تبرز في سياق محاولات الاستقطاب بين الذات الفلسطينية الفردية / الجماعية وبين الأخر المتمثل في الإسرائيلي فحسب، وإنما ليؤكد أن الشعب الفلسطيني المنتمي لمنظومة من الدوائر القطري، القومي، الإنساني، له حضور طبيعي وحضور فعلي وحضور تاريخي في الإطار الإنساني.فالهوية ليست استجابة للأحداث وإنما فعل إنساني مرتكز لثقافة ممتدة من الماضي إلى الحاضر ومن ثم إلى المستقبل.وهذا الفعل لا تلغيه محاولات الاستلاب الإسرائيلي التي ارتكزت على مقولة عدم وجود للشعب الفلسطيني، إضافة إلى تزوير تاريخه ومكونات وجوده منذ عقود ، والمتمثلة في محو الأسماء العربية للأماكن واستبدالها بأسماء يهودية، وكذا محاولة سرقة مورثه الشعبي وتزويره ليصبح يهوديا، وأيضا محاولة شطب الفلسطيني ذاته من خلال العمل على تذويب هويته المميزة في هويات أخرى، لأن هذا الفعل ألتزويري لا يؤسس حقائق ولا يلغي حضورا فعليا للشعب الفلسطيني تجاوز وجوده حدود الزمان .فقد شكل شعر درويش ذاكرة غير قابلة للنسيان للهوية الفلسطينية بمكوناتها الثقافية والمكانية والزمانية وماضيها وحاضرها وحاملها إلى المستقبل، لأن أصل الحقائق لا يتغير أو يتبدل وإن تغير الفاعل والفعل.
وبالنظر لطبيعة البحث فقد قسم الباحث البحث إلى أربعة فصول.حيث عرض في الفصل الأول مقدمة البحث ومشكلته وأهدافه وأهميته ومحدداته.أما الفصل الثاني فقد تعرض إلى الأدب التربوي، بعرض مبحثين الأول يتناول مفهوم الهوية ومكوناتها، والثاني يتطرق إلى العوامل الموثرة على الهوية الفلسطينية.وفي الفصل الثالث تم عرض إجراءات البحث ومنها تحديد نوع البحث ومنهجه ومجتمعه الدراسي وعينته ومجالاته.وفي الفصل الرابع تم عرض نتائج الإجابة على أسئلة البحث.ثم عرض الباحث خلاصة عامة تركبية.ومن ثم عرض التوصيات
الفصل الأول
المقدمة
- · مقدمة البحث
- · مشكلة البحث
- · أسئلة البحث
- · أهداف البحث
- · أهمية البحث
- · محددات البحث
المقدمة :
ثمة تساؤل يتعرض إليه باحثون ومفكرون هل الهوية إشكالية ؟ وفي إطار أخص هل يمكن اعتبار الهوية الفلسطينية إشكالية بالنظر إلى الواقع السياسي المتغير الذي يواجهه الشعب الفلسطيني، والذي أدى إلى تشتت هذا الشعب ما بين المقيم على أرض وطنه وبين المشتت في مجتمعات أخرى ذات ثقافات متباينة.طرح هذه التساؤل يكشف الجدل الثقافي الفكري حول ماهية الهوية ومكوناتها ودلالاتها.إن الباحث يتفق مع الرؤى التي تقول إن الهوية الفلسطينية ليست إشكالية، فهي ليست كذلك لأن قيمها ومعايرها وخصائصها لا تتعارض مع مكونات الثقافة الإنسانية، إذ أن منطلقات الهوية ذاتها المرتكزة إلى متغيرات أيديولوجية وتاريخية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، لا تقوم على أساس عرقي أو طائفي أو شوفيني، وإنما تتداخل في مكوناتها مع مكونات ثقافية إنسانية.كما أن مكونات الهوية الفلسطينية ليست منغلقة جامدة، بل دائمة الحركة محكومة بصيرورة تاريخية تجعلها غير ثابتة أو ليست حقيقة مطلقة، إذ يتعين عليها الاستجابة لمتغيرات يفرضها الواقع بكل مستجداته والتغيرات التي تطرأ عليه.فالهوية “ معطى من الآخرين وانعكاس ظاهر وكامن لمواقفنا منهم وردود فعلنا عليهم” 1″
لقد عبر مفكرو الأمم ومثقفوها عبر الأزمنة المتعاقبة عن الهوية وفق معطيات تاريخية وثقافية خاصة بكل شعب أو أمة من الأمم، واستنبطت معايير خاصة للدفاع عن الهوية الذاتية في محاولة لحمايتها من غزو الأخر أو المس بمعطياتها الخاصة.ولكن بالقدر الذي تم تحقيق ذلك في مراحل تاريخية معينة، إلا أن التحولات التاريخية اللاحقة والتطور المعرفي بكل معطياته ( المعلوماتي، الإعلامي، التكنولوجي …) الذي قلص الفوارق الزمنية والمكانية بين الأمم جعل من التخندق حول معطيات ذاتية للهوية أمر فيه تهديد للهوية ذاتها بفعل انغلاقها وعدم انفتاحها على الآخر.لم يكن المطلوب الإفراط أوالتفريط بالمعاير الذاتية للهوية، ولكن ثمة من يرى محاولة التوازن بين الأنا والأخر في تحديد الهوية الذاتية والجمعية في إطار تكاملي وعلى قاعدة التأثير والتأثر والإفادة والاستفادة والإكساب والاكتساب على اعتبار أن معايير الهوية متحركة وليست جامدة يابسة.
وفي العالم العربي منذ زمن طويل، الهوية هي محل مراجعة ونقاش ونقد، ليس فحسب في البحث عن المشترك أو في المختلف مع الآخر، ولكن في مراجعة مرتكزات الهوية الذاتية نفسها ما بين الوطني والقومي والإنساني، وأيضا في تحديد الثابت والمتغير في الهوية العربية.وفي ظل هذا الجدل الفكري السسيوثقافي تغلب المتغير السياسي الإقليمي بدعوى حماية الذات على متغيرات أخرى، فتراجعت مرتكزات قومية للهوية العربية أمام تعال لمرتكزات وطنية إقليمية، فحدث نكوص إلى عهد القبيلة الذي كان سائدا ما قبل الأمة التي شكل الإسلام مشتركها، من مثل ( مصر أولا، الأردن أولا، لبنان أولا…..) أو ( خليجي، أو مشرقي أو مغاربي …) بدل عربي أو امة عربية واحدة.وواكب ذلك ارتداد عن بعض ثوابت الهوية العربية خاصة الديني والعروبي، من مثل ( مصر الفرعونية أو سورية الفنيقية…..)، وحتى ثمة انكماش أضيق داخل الوطني ذاته فسمت الحزبية والفصائيلية على الوطني فعلم الحزب يعلو علم الوطن وأيضا ثمة نزوع نحو الحمائلية ثم العائيلية كمرتكز لتحديد الهوية.وقد فرض هذا التراجع من القومي إلى الوطني ومن الوطني إلى الحزبي ومن الوطني إلى الإثني ومراجعة البعد الديني، نفسه على رؤى مثقفين عرب فانعكس ذلك في نتاجهم الأدبي والفكري، فأضحى السياسي قائد الفكري مع أن منطق الأشياء يفترض العكس، وقد أدى الارتداد والانكماش في الهوية العربية إلى انفجارات خطيرة في أكثر من ساحة عربية بواعثها الطائفية والإثنية في محاولة لإعادة تعريف الهوية الوطنية، وأبرز تلك الانفجارات في العراق _عربي_ كردي، سني _ شيعي، وفي المغرب والجزائر: عربي _ أمازيغي، وفي السودان : عربي _ أفريقي.
ومع ذلك فثمة مفكرون عرب استشعروا خطر النكوص في مقومات الهوية والهروب بها من الأكبر إلى الأصغر، على الوجود الذاتي نفسه ومن ثم على الوجود القومي، وتمسكوا بثوابت تشكلت عبر مراحل تاريخية هامة يجمعها أكثر من مشترك، وشكلت هذه الثوابت مصدر قوة وتأثير في الأخر، فقاوم هؤلاء المفكرون الارتداد والتقوقع في الذات الشوفينية أو الإثنية ، بل تجاوزوا في رؤاهم الأنا إلى الآخر، وتبينوا أن الهوية لا تتشكل فحسب على أساس ثقافي وتراثي وإثني وتاريخي ذاتي، وإنما أيضا على أساس الانفتاح والتأثر والتأثير بالأخر. فتمكنوا بفعل هذه الرؤيا من الحفاظ على هويتهم الذاتية والجمعية دون تذويب وفي الوقت ذاته الانفتاح والتفاعل مع الأخر.
ويتصدر الشاعر محمود درويش الريادة في مقاومة نكوص الهوية، وشكل فكره ورؤاه مانعا للتقوقع في الأنا الضيقة المحصورة بجغرافية محددة أو مميزات خاصة أو إرث تاريخي ذاتي، فجسد قواسم الهوية الفلسطينية المتمثلة في الوطني والقومي والإنساني، ليخلق منظومة متفاعلة تشكل هوية العربي الفلسطيني، دون تذويب للثوابت أو التخلي عنها ودون تيبس أمام ثقافة الأخر.لقد انعكست رؤى محمود درويش في شعره الذي تجاوز حدود النظم الأدبي وقواعده، إلى بلورة مفهوم جديد للهوية الفلسطينية وربما مفهوم جديد لهوية الإنسان أيا كانت الجغرافيا التي يقيم عليها وأيا كان المرتكز التاريخي الذي يستند إليه، وكذلك لغته وحتى خصائصه المميزة.
مشكلة البحث :
إن الكثيرين كتبوا عن تجربة محمود درويش الشعرية، ولكن هذه التجربة تبقى تحمل في ثناياها الكثير مما يحتاج إلى التحليل والنقد، فهي تجربة إنسان يعبر عن قضية تشغل الدنيا كلها منذ مائة عام.ومن خلال متابعة الباحث لدراسات تناولت شعر محمود درويش بالتحليل والنقد، لا حظ أن جل هذه الدراسات تعرضت لدراسة مفاهيم عديدة منها الأرض، الوطنية، الانتماء، الحرية ، المرأة، تناولها الشاعر بدلالات مختلفة وبأبعاد رمزية أحيانا وبماشرة أحيانا أخرى.وتبين للباحث أن بعد الهوية والوجود لم يحظ بدرجة الاهتمام ذاتها التي حظيت بها الأبعاد الأخرى من الباحثين، وحيث أن بعد الهوية في شعر محمود درويش شكل محورا للعديد من قصائده من أبرزها قصيدة ( بطاقة هوية )، وكذلك أن مفهوم الهوية ذاتها لازال محل نقاش المثقفين والباحثين السيولوجين العرب سيما في ظل العولمة الثقافية والاجتماعية.فإن الباحث أحس بأهمية سبر بعد الهوية في شعر درويش الذي أسس لثقافة عربية منعتقة من ذاتها إلى مداها الإنساني الكوني.وعلى ضوء ذلك يمكن تحديد مشكلة الدراسة في السؤال الرئيس الآتي :
_ ما منطلقات الهوية والوجود في إبداعات محمود درويش ؟
وعن السؤال الرئيس تنبثق الأسئلة الفرعية الآتية :
( 1 )_ ما مظاهر التعبير عن الهوية في شعر محمود درويش ؟
( 2 )_ ما أبعاد الهوية في شعر درويش ؟
أهداف البحث :
تكمن أهداف البحث فيما يأتي :
( 1 )_ استقصاء أبعاد الهوية في شعر محمود درويش في سياقاتها المختلفة الزمانية والمكانية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والإنسانية.
( 2 )_ التعرف إلى مظاهر الهوية في شعر محمود درويش.
أهمية البحث :
إن هوية الإنسان الفلسطيني في بعديها الشخصي والجمعي ليست جامدة يابسة منغلقة على ذاتها، وإنما متفاعلة مع سياقات التطور والتغيير من دون انفلات عن أصالتها وثوابتها.وحيث أن الهوية هي ما تتضمنه من سمات وقيم تميز فردا أو جماعة عن غيرها، إلا أن الواقع النسبي والراهن الحضاري والمديني قلص الفوارق بين ما هو ذاتي أو شخصي و إنساني.ويكون لأشكال الإبداع الإنساني وفي طليعة ذلك الإبداع الشعري دور هام ليحافظ على تجليات الشخصي والجمعي لهوية الفرد أو جماعة ما في دوائرها الممتدة من الذاتي إلى الكوني.لذا فإن دراسة بعد الهوية في شعر درويش من الأهمية بمكان للتعمق في قدرة الإبداعي على تشكيل رؤية لمفهوم الهوية بحيث تحتفظ بقيمها وسماتها المميزة وفي ذات الوقت تتماهى مع الأخر في العمق الإنساني.
حدود البحث :
يتحدد البحث فيما يأتي :
( 1 )_ دراسة عينة مقصودة من شعر محمود درويش.
( 2 )_ دراسة مفهوم الهوية كمفهوم محدد اصطلاحا وإجرائيا من دون المفاهيم الأخرى التي قد ترتبط في دلالتها مع مفهوم الهوية ( الأرض، الانتماء…..).
( 3 )_ لا يتعرض البحث بالنقد الأدبي لشعر درويش الموظف في الدراسة، وإنما محاولة فهم دلالة الهوية وأبعادها في رؤيا درويش الشعرية.
( 4 )_ إن مميزات الهوية الفلسطينية التي توصل إليها الباحث من خلال تحليله لنصوص شعرية محددة من قصائد محمود درويش، لا تعني جميع هذه المميزات، فقد تكون ثمة مميزات أخرى ولكن لمحدودية البحث وقصر الوقت اقتضى دراسة عينة محددة من القصائد الشعرية.
( 5 )_ إن الباحث لا يعنى بتأويل شعر درويش موضع التحليل في هذا البحث، وإنما يحلل النص في سياقه الصريح.
التعاريف الإجرائية :
الهوية : يقصد بها في هذا البحث ما تعرض إليها درويش رمزا وإيحاءا وصراحة فيما يتعلق بهوية الفلسطيني
الفصل الثاني
- · المبحث الأول : مفهوم الهوية ومكوناتها
- · المبحث الثاني : عوامل التأثير على الهوية الفلسطيني
الفصل الثاني
مفهوم الهوية :
هي جملة من العلاقات المادية والرمزية التي تربط وتوحد عددا من الأفراد وهم في حالة صراع ضد مجموعة مشابهة في الجوهر مخالفة في المظهر”1“.
والهوية فلسفيا هي “يدل ما به يكون الشيء نفسه”.ولكن الهوية ليست معطى مقدسا وثابتا، وإنما معطى تاريخي في حالة صيرورة وحركة دائمين”2″
أنواع الهوية “3“:
( 1)_ الهوية الشخصية ( الفردية ): وتتشكل من المميزات الخاصة للفرد التي تميزه عن الفرد الأخر داخل جماعته المنتمي إليها مثل ( الذكاء، الشجاعة، الاجتهاد ….).
( 2 )_ الهوية الجماعية ( الجمعية ) : وتتشكل من القواسم المشتركة بين الشخص الفرد وبين أفراد الجماعة التي ينتمي إليها، وهذه القواسم قد تكون اجتماعية أو اقتصادية أو دينية أو ثقافية أو تاريخية أو جميعها معا.وتأخذ خاصية موحدة مثل ( عربي، أمريكي، مسلم، مسيحي…..). ومن خلال النوعين السالفين أعلاه يمكن تحديد مقومات الهوية :
( 1 )_ تلك المكونات الخاصة بجماعة معينة دون غيرها وهي ما يتصل بالثوابت.
( 2 )_ المشترك بين الفرد وجماعته من جهة وبين هذه الجماعة وغيرها من الجماعات الأخرى.
إن مكونات أية هوية تتداخل فيها ما يميز الفرد نفسه عن غيره ، أيا كان هذا الأخر، وما هو مشترك بين الفرد وجماعته التي ينتمي إليها، وما هو مشترك بين الجماعة وغيرها من الجماعات
(1)_ المرزوقي منصف. من أجل مفهوم متعدد المستويات للهوية.www.achr.nu/art.htm
( 2)_ باقر جاسم محمد.الهوية الوطنية محاولة في التعريف الوظيفي.www.balagh.com
(3)_ ميعاري محمود .تطور هوية الفلسطينيين على جانبي “الخط الأخضر“.“ www.ajras.org
الأخرى، أو ما هو مميز وفارق بين الجماعة والجماعات الأخرى.فالهوية هي نسق من معايير ومكونات تعرف الفرد أو الجماعة.وتشمل المكونات المشتركة بين الفرد وجماعته، اللغة، الدين، الثقافة، الجغرافيا، التاريخ، المصير المشترك، الموروث الشعبي، الزى، اللهجة (…..).
عوامل تكوين الهوية :
إن الهوية تقوم على عاملين أساسيين هما “1“:
( 1 )_ البناء على الضد : بحيث تتشكل الهوية على أساس الاختلاف مع الأخر، والتي تقوم على أساس موضوعي مثل الجنس واللون واللباس واللغة…
( 2 )_ البناء على المماثلة : بحيث تتشكل الهوية على أساس الشبيه مع الأخر من حيث الشكل واللون والمعتقدات والتاريخ…
عوامل التأثير على الهوية الفلسطينية وتشكيلها:
إن فهم دلالة الهوية وأبعادها في شعر محمود درويش، تقتضي بالضرورة التعرض للمرجعيات التي تشكل مكونات الهوية الفلسطينية والظروف التي تدخلت في هذا التكوين، وذلك عبر المرحلة التاريخية الممتدة على مساحة وزمن القرن العشرين الفارط.
إن الهوية الجمعية للفلسطينيين متحركة طبقا للحراك السياسي الاجتماعي المنبثق من عوامل موضوعية فرضها الاحتلال وتعاقب سلط أخرى للسيطرة على حياة الشعب الفلسطيني.فأحيانا الهوية الوطنية تضعف في مرحلة تاريخية ما وأحيانا أخرى تقوى وتنهض في مرحلة تاريخية ما.وكذلك قد نجد أن الهوية الفلسطينية قد تضعف في منطقة جغرافية وتقوى في منطقة جغرافية أخرى.وأيضا يشمل الحراك في مكونات الهوية طبقا لظروف مرحلة ما، فقد يتقدم مكون فرعي على مكونات رئيسة، وقد يتراجع الفرعي أمام مكون فرعي أخر وهكذا.
( 1)_ المرزوقي المنصف.من أجل مفهوم متعدد المستويات للهوية.www.achr.nu/art91.htm
( 1)_ الاحتلال والشتات :
إن حالة الشتات واللجوء التي يعيشها نصف الشعب الفلسطيني خارج حيز الجغرافيا الفلسطينية فرضت على قطاع واسع من الفلسطينيين أن يتبنوا هويات مركبة ثنائية وأحيانا تكون متناقضة وفقا للدولة أو المجتمع الذي اندمجوا فيه أو يعيشون في ثناياه.ويتوقف ضعف أو قوة الهوية الفلسطينية على قدرتها في مواجهة الهوية الثانية وقوت مزاحمتها للهوية الفلسطينية.فاللاجئون في الأردن حصلوا على الجنسية الأردنية فطغت الهوية الأردنية على الهوية الفلسطينية، ويعرف الفلسطيني بصيغة ( أردني من أصل فلسطيني )، وهنا يتبين أن الطابع الأردني أحل أولا بينما البعد الفلسطيني يأتي ثانيا، وينطبق ذلك مع واقع كثير من الفلسطينيين الذين تجنسوا بجنسيات الدول التي يقيمون فيها ( أمريكي من أصل فلسطيني، بريطاني من أصل فلسطيني….)، وبنفس القدر فإن الفلسطينيين في الجليل والساحل والنقب يواجهوا تحدي ثنائية الهوية المتناقضة ( عربي _ إسرائيلي أو إسرائيلي _ عربي ). ولفترة امتدت من عام 1950 وحتى 1989 ) كان الهوية الأردنية هي الطاغية على هوية مواطني الضفة الغربية، إلى أن أعاد القرار الأردني بفك الارتباط مع الضفة الغربية قوة وسيادة الهوية الفلسطينية لهؤلاء المواطنين، حيث استعادت الهوية الفلسطينية قوتها كهوية مميزة لهم.أما بالنسبة لمواطني قطاع غزة فالهوية الفلسطينية حافظت على موقعها ولم تتراجع أمام الهوية المصرية لأن الحكومة المصرية أبقت على البعد الفلسطيني للقطاع رغم إدارتها لهذا القطاع لمدة ( 17 عاما).
( 2 )_ المقاومة :
لقد شكلت منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها إطارا لمقاومة الشعب الفلسطيني منذ عام ( 1965 وحتى اليوم ) مرجعا وطنيا مشتركا لهوية الفلسطينيين الفلسطينية أينما يقيمون أو يحلون في فلسطين أو في الشتات، وإن تباينت درجة هذا المرجع في تشكيل هوية الفلسطيني بفعل عوامل الجغرافية وكذلك عوامل قوة سيادة الهوية الثانية التي تكون هويته المركبة.وقد حافظت المنظمة كمرجع على الفلسطينية مكون رئيس للهوية الفلسطينية.إلا أن هذه المرجعية قد واجهت تحديات كبيرة في الحفاظ على فلسطينية الهوية الفلسطينية بفعل إكراهات الهوية المركبة لنصف الشعب الفلسطيني، وبفعل انبعاث مرجعيات أخرى للهوية الفلسطينية من أبرزها المرجع الديني.
( 3)_ العامل الديني :
على الرغم من أن العامل الديني هو مكون من مكونات هوية الفلسطينيين على مدى الحقب التاريخية السالفة، إلا أنه برز كمرجعية سائدة ( مكون أساسي ) بعد تطورات سياسية هامة في مرحلة نضالية حاسمة من تاريخ الشعب الفلسطيني تجلت في انتفاضة عام ( 1987 ) التي أفرزت حركات ذات أيديولوجية دينية في مقاومة الاحتلال إلى جانب مكونات منظمة التحرير، ثم تجسدت هذه المرجعية عقب تحول سياسي تاريخي تمثل في اتفاقات ” أوسلو” عام (1994 )، فضلا عن عوامل خارجية من بينها الهجوم على الإسلام كدين وكهوية.فأعادت نسبة كبيرة من الفلسطينيين ترتيب أولويات مكونات هويتهم من الديني إلى الفلسطيني إلى العربي، فهم يعرفون أنفسهم بأنهم مسلمون أو مسيحيون أولا ثم فلسطينيون ثم عرب.وبرز ذلك واضحا في الانعكاسات السياسية الاجتماعية التي أفرزها الانقسام بين المرجعيتين الوطنية والإسلامية في عام ( 2007 ). ويبين الجدول رقم ( 1 ) تحديد الفلسطينيين لهويتهم ما بين العامين ( 1994 _ 2006 ).
الجدول رقم ( 1 )
تحديد الفلسطينيين لهويتهم ما بين العامين ( 1994 _ 2006 ).
المرجع
|
1994
|
2006
|
مسلم / مسيحي
|
21.6
|
42.9
|
فلسطيني
|
11.5
|
06.6
|
عربي
|
66.9
|
50.5
|
المجموع
|
100.0
|
100.0
|
العدد
|
208
|
1442
|
( 1)_ محمود ميعاري*تطور هوية الفلسطينيين على جانبي “الخط الأخضر“ www.ajras.org
الفصل الثالث
إجراءات البحث
- · نوع البحث
- · منهج البحث
- · مجتمع البحث
- · عينة البحث
- · مجالات البحث
مقدمة
يتناول الباحث في هذا الفصل نوع البحث ومنهجه ومجتمعه الدراسي وعينته ومجالاته.
نوع البحث :
يندرج البحث في إطار السسيوثقافي.
منهج البحث :
إن طبيعة البحث وأهدافه، تقتضي إجراء بحث تحليلي باستخدام أسلوب تحليل النص.بحيث عمل الباحث على تحليل النصوص الشعرية المختارة بإتباع الخطوات الآتية :
( 1 )_ توصيف الهوية في النص الشعري.
( 2 )_ دراسة معنى النص : باستعراض مدلولات ومفاهيم الهوية التي يستحضرها النص الشعري.
( 3 )_ التوصل إلى استنتاج خصائص الهوية في شعر محمود درويش.
( 4 )_ لقد وظف الباحث بعض النصوص الشعرية وليس كلها في سياق التحليل التي استقرأ أو استنتج منها دلالات ومفهوم الهوية في شعر درويش.
مع التأكيد أن الباحث لا يتعرض لشعر درويش بالنقد الأدبي، فليس هذا من غايات البحث.وقد حدد الباحث المعايير التي انطلق منها لتحليل مكونات الهوية في شعر محمود درويش وهذه المعايير كما يأتي :
( 1)_ المعايير الشخصية : يقصد بها المميزات الخاصة للشاعر كفرد.
( 2 )_ المعايير الجمعية : يقصد بها المميزات المشتركة بين الشاعر كفرد ومميزات الجماعة التي ينتمي إليها.
( 3 )_ المعايير القومية : المميزات المشتركة بين الشاعر كفرد والجماعة التي ينتمي إليها في إطار وطني، وبين مميزات الأمة كإطار أكبر ينتمي إليه.
( 4 )_ المعايير الإنسانية : المميزات المشتركة بين الشاعر نفسه وجماعته والامتداد الإنساني لهما باعتبارهما جزء من منظومة إنسانية أوسع.
مجالات البحث :
تناول الباحث في البحث المجالات الآتية :
( 1 )_ مفهوم الهوية عند درويش (ماهيتها ، مكوناتها ، جذورها ).
( 2 )_ التعبير عن الهوية في شعر محمود درويش ( الرمز، الصريح / المباشرة ).
( 3 )_ أبعاد الهوية في شعر محمود درويش ( تنوع الهوية، التطابق والاختلاف، المادي والروحي والمعرفي ….).
عينة البحث :
بالنظر إلى العدد الكبير لقصائد الشاعر إذ من المتعذر دراستها جميعها لمحدودية البحث ومحدودية الوقت، فإن الباحث اختار عينة قصدية تبلغ عشرين قصيدة لتحليلها
الفصل الرابع
عرض النتائج
مظاهر التعبير عن الهوية في شعر درويش :
كيف عبر محمود درويش عن الهوية في نظمه الشعري ؟
تتميز لغة التعبير عن الحقائق والأشياء والوقائع في شعر درويش بممازجته بين ثنائية الرمز والمباشرة للتعبير عن الحقيقة.فهو يوظف المباشرة لمنع التباس عند القارئ أو المستمع أو المحلل في فهم دلالة ما، فكانت لغته مباشرة صريحة عندما تحدث عن المكان والأسماء والأدوات، فتكون المباشرة جلية محددة للدلالة والقصد.ويوظف الرمز عندما يكون الرمز أبلغ من المباشرة خاصة في التأثير السيكولوجي ( النفسي ) للحقائق على الأخر أو في وصف الحقائق ذاتها، مع التأكيد على أن الرمز ليس مبهما إلى حد الأسطورة.
أولا : المباشرة :
فقد عبر درويش عن الهوية بتعبير صريح مباشر غير قابل للتأويل حينما حسم التعريف بهويته عندما اقتضى واقع الحال السياسي الحسم وكذا تطلب الأمر تحديد هوية الإنسان الفلسطيني كفرد وكجماعة، في قصيدة حملت عنوان صريحا ألا وهو “بطاقة هوية”.وهذا المصطلح واضح محدد القصد مفهوم للمتلقي مهما اختلفت ثقافته ولغته فهو مشترك في القصد والدلالة بين جميع اللغات من حيث العنوان والتمييز وإن كان يتباين في المكونات طبقا لتباين الثقافات والمرجعيات السيسيوثقافية.
ثانيا : الرمز :
وجاء التعبير عن الهوية في بعض المواطن من قصائد درويش رمزا من دون غموض أو افتراض، حينما اقتضى الحال أحيانا التعبير عن مكونات هوية الفلسطيني الفرد والجماعة.وتجسد رمز الهوية في تعبير الأم التي هي فارقة بين كل الناس أيا كانت ثقافاتهم.حتى في التمييز بين الفرد والفرد داخل الجماعة الواحدة تكون الأم فارقة عندما تتداخل مميزات أخرى للأنا بين فرد وأخر.إذا فالأم هي أساس الهوية المميزة للفلسطيني فردا أم جماعة عن غيره في منطق درويش.واختياره للأم لم يكن عفويا بل لأنه يدرك أن هذا الرمز المميز لا يمكن أن يعلو عليه رمزا أخر، لا من حيث الدلالة العميقة ولا من حيث القدرة على تجسيد مميزات الجماعة الفلسطينية عن غيرها، لأن الأمهات لا تتشابه.كما أن هذا الرمز يذوب الفوارق بين ” الأنا ” و ” نحن” في الحالة الفلسطينية
حينما تكون فلسطين هي الجامع والمشترك لكل الفلسطينيين.( ..ولدت قرب البحر من أم فلسطينية…)”1″، ( …يا أمنا انتظري أمام الباب، إنا عائدون …)”2” .
مميزات الهوية الفلسطينية في شعر محمود درويش :
إن منطلقات محمود درويش في تحديد أو تشخيص مكونات الهوية الفلسطينية لم تكن وليدة ظرف سياسي أو ظرف مكاني أو واقع فرض ذاته على مرحلة تاريخية من تاريخ الشعب الفلسطيني، وإنما مستمدة من جذور ممتدة في تاريخ موغل في القدم وأيضا من واقع مواكب لتطور سياسي اجتماعي اقتصادي ثقافي يعيشه الفلسطينيون في فلسطين المقيمة أو في فلسطين المهجرة.وقراءات متفحصة تحليلية لشعر درويش نجد أنه يغوص في عمق التاريخ ليؤكد معالم هوية الفلسطيني حيث تشكلت ثوابتها، لكن هذه المعالم لم تنكفئ على ذاتها وإنما تفاعلت وانفتحت على الأخر.
لقد استطاع محمود درويش أن يمازج بين الأوصاف الظاهرة للهوية الفلسطينية، والأوصاف النفسية لهذه الهوية، حيث جعل منها مميزات عن الأخر غير العربي الفلسطيني، وأحيانا استنهض مكونات مميزة خاصة بالفلسطيني نفسه دون غيره حتى من العرب الذين يتقاطع معهم في مكونات كثيرة.ويمكن تحديد كوامن الهوية الفلسطينية في شعر درويش كما يأتي :
أولا : المميزات ( الأوصاف ) الظاهرة :
( 1 )_الأصالة المكون الأزلي ( التاريخي ) :
إن تاريخ الهوية الفلسطينية سابق للزمان، فهي أزلية قد يعود تكونها إلى وجود الإنسان نفسه، بل قبل تشكل مظاهر الطبيعة نفسها، فهي ليست ساكنة في شرطها التاريخي بل سابقة للتأريخ وسابقة لأي مظهر من مظاهر الحياة الأخرى على الأرض.
( 1 )_درويش محمود. مديح الظل العالي.الديوان.المجلد الثاني. ص 53.
(2)_ درويش محمود. في انتظار العائدين (الديوان.المجلد الأول.بيروت : دار العودة.1977.ص 121.
(… جذوري قبل ميلاد الزمان رست، وقبل تفتح الحقب، وقبل السرو والزيتون، وقبل ترعرع العشب…..)”1“وإن كان الشاعر هنا يتحدث بصيغة الأنا، فقد يبدوا انطباع أنه يتحدث عن هوية فردية، لكن الأمر مغاير لذلك.فدرويش استطاع أن يعبر ويقصد الجمعي دائما وإن كانت الأنا هي ظاهر الكلام أحيانا، فهو يعبر عن الفلسطيني أيا كان ( …أنا اسم بلا لقب …)”2“.كما أن مظاهر الحياة وتفاعلها لا تتشكل بفرد واحد وإنما من خلال المجموع .والمهم أيضا أن تاريخ الكينونة الفلسطينية وهويتها الذي يحدده درويش، لا يرتكز على أسطور مبتدعة ومتخيلة أو قائم على الرمز، بل هو تاريخ حقيقي واقعي، مرتبط أساسا بالتعامل مع الأرض إعمارا بكل مظاهر الإعمار من فلاحة وبناء ووجود مادي ( ..أنا يا سيدي عربي ، وكان لي يد تزرع …) فهو يؤكد أن الفلسطيني هو الذي عمر الأرض الفلسطينية ،حيث سبق وجوده أساسا وجود مظاهر الحياة الأخرى من شجر وزرع وحرث.وهذا الإعمار المادي للأرض هو يؤكد الأسبقية التاريخية لهوية الفلسطيني الفردية والجمعية في آن، لآن الإعمار لا يتم إلا بوجود الإنسان نفسه.
وكذلك فإن تاريخ الفلسطيني هو متواصل لم ينقطع عند مرحلة تاريخية معينة ويندثر، بل ممتد حيث كان في الأزل إلى الحاضر والمستقبل أيضا، فالصيرورة التاريخية يؤكدها درويش دون تردد أو تشكك.( …على هذه الأرض سيدة الأرض ، أم البدايات أم النهايات كانت تسمى فلسطين صارت تسمى فلسطين…) “3“.وأن الأجيال الفلسطينية المتعاقبة هي التي ترث هوية الوطن (…فانهض أبي، من بين أنقاض الهياكل واكتب اسمك فوق خاتمها، كما كتب الأوائل يا أبي أسماءهم …)”4“.ودلالة الأب في شعر درويش هو الإنسان الفلسطيني وليس الأب العضوي، “إن صورة الأب في شعر درويش دائما توحي بالإنسان الباذل…يأخذ الأب رمزا..)”5″.
( 1 )_ درويش محمود.بطاقة هوية. الأعمال الشعرية الكاملة.دون دار نشر.2008.
( 2 )_المرجع السابق.
( 3 )_ درويش محمود. رب الأيائل يا أبي.الأعمال الكاملة،1_3.ط3. 2008.
(4)_ درويش محمود. المرجع السابق.
( 5 )_ نادي ساري الديك.جراحات حيفا عذابات الكرمل، الشكل والمضمون في شعر محمود درويش.ط1.فلسطين : عكا :مؤسسة الأسوار.
2 )_ الاقتصادي ( الفلاحة ) : إن طبيعة المجتمع الفلسطيني في عمومه هو مجتمع زراعي فلاحي، يقوم على فلاحة الأرض.فالأرض هي ليست مجرد موطن للإقامة والسكنى، وإنما أيضا مصدرا للبقاء والاستمرارية، لذا فإن الفلاحة هي سمة الفلسطيني التي من خلالها يعبر عن ارتباطه بالأرض ويؤكد بها صيرورته، فهي متوارثة من الجد إلى الإبن إلى الأجيال المتعاقبة، ولن يقبل أن يسقط هذا المميز لصالح ميزات أخرى لأن ذلك يعني تخليه عن مرتكز من كينونته ( …أبي من أسرة المحراث، لا من سادة ونجب، وجدي كان فلاحا …)”1“، بل هو يؤكد أن الفلاحة هي أساس تكوين الفلسطيني ( من غابة الزيتون جاء الصدى وكنت مصلوبا على النار …) “2“( أنا يا سيدي عربي وكان لي يد تزرع…) ، وليس هذا فحسب وإنما هذا المكون الفلاحي هو مبعث فخر واعتزاز للفلسطيني حتى أن المنفى لم يستطع أن يضمره أو يذوبه( ..وتساءل الأطفال في المنفى، آباؤنا ملئوا ليالينا هنا…وصفا عن مجدنا الذهبي، قالوا كثيرا عن كروم التين والعنب )”3″، وهو يصر على استعادة هذا المكون المميز له كفلسطيني بعد أن اغتصبه المحتل ( سلبت كروم أجدادي، وأرضا كنت أفلحها، أنا وجميع أولادي ).حتى أن درويش في تأكيده على السمة الفلاحية للفلسطيني فهو يتغزل في حبيبته سواء كانت امرأة أو الأرض بصفات مستمدة من الواقع الفلاحي ذاته ( …شفتاك عنقود من عنب…يا كرمة العنب..ومضى لم يترك سوى الزغب، من كرمة العنب..) ، وفي العادة فإن الشخص يوظف الأشياء في بيئته والتي يتعامل معها ليعبر من خلالها عن مكنوناته ومقاصده.
والواقع أن الفلاحة هي سمة وميزة تميز الفلسطيني عن الإسرائيلي المحتل للأرض الفلسطينية، فالإسرائيلي لا يتقن الفلاحة ، وإن كانت صفة التجارة غالبة عليه.فالتعامل مع الأرض فلاحة أو مكونا لوجود وطن هي الصفة الغالبة لتمييز الفلسطيني عن محتله.
( 1 )_درويش محمود.بطاقة هوية.الأعمال الكاملة.مرجع سابق.
( 2 )_ درويش محمود.صوت من الغابة.المرجع السابق.ص 55.
(3)_ درويش محمود. شيء عن الوطن.الديوان المجلد الثاني. ص 217.
( 3 )_ الديني ( التعايش والتسامح ):
إن الفلسطيني رغم عوامل الإلغاء والإقصاء والتذويب والاقتلاع التي تعرض لها منذ حقب طويلة، إلا أنه لم يستبدل التسامح بالكره، وإن كان متشبث بحقوقه الوطنية ومناضل من أجل استعادتها، فهو لا يقاوم الإسرائيلي / اليهودي لمجرد أنه يهودي وإنما لأن هذا الأخير محتل للأرض.( …سجل برأس الصفحة الأولى، أنا لا أكره الناس، ولا أسطو على أحد، ولكني إذا ما جعت أكل لحم مغتصبي…)”1” وهنا مقتضى الحال يكون مرتبطا بسلوك الأخر المحتل، فإذا أصر على احتلاله فإن المقاومة ستكون المقابل.
والواقع أن سمة التعايش والتسامح لدى الفلسطيني، تتجسد في العيش المشترك بين أطياف المكون الديني للشعب الفلسطيني المتمثلة في الإسلام والمسيحية والسامرية اليهودية.وأن العلاقة بين هذه الأطياف تتأسس على المحبة والمجادلة بالتي هي أحسن التي تكون حاضرة في السلوك والوعي.وقد عبر عن ذلك محمود درويش في مواطن عديدة حينما استلهم من الموروث الديني الإسلامي والمسيحي، ما يؤكد المحبة للأخر وفي ذات الوقت ما يقوي الهمم في مقاومة المحتل للدفاع عن الذات.فقد استخدم مثلا الصليب مرات كثيرة وفي سياقات مختلفة للتعبير عن حالة أو واقع معين، والصليب هو أحد أبرز مكونات الدين المسيحي.( …شكرا صليب مدينتي، لقد علمتنا لون القرنفل والبطولة…)”2″ ( ..صوت حريتي قادم من صليل السلاسل، وصليبي يقاتل..)، كما وظف كثيرا من القصص القرآني ( أحد عشر كوكبا، الهدهد…) بل استخدم كثيرا أيضا مشتقات من مفردات قرآنية كمصدر لصياغاته الشعرية للتعبير عن وقائع محددة.إن توظيف الشاعر لرموز دينية في شعره يأتي انطلاقا من حتمية يدركها الشاعر نفسه أن المتلقي الفلسطيني سيتقبلها لأيمانه بالتسامح تجاه الأخر الديني. إن استخدم رمز ديني لطيف معين ( الصليب ) كرمز للمقاومة وأيضا كرمز للمعاناة والفداء، هو تعبير لمدى تقبل الأطياف الأخرى
( 1 )_ درويش محمود.بطاقة هوية. الأعمال الشعرية الكاملة.دون دار نشر.2008.
( 2)_درويش محمود.قاع المدينة..المرجع السابق.ص 121.
(4)_ عرايدي نعيم.الفلسفاريخية والبنية التحتى في شعر محمود درويش.حيفا: مكتبة كل شيئ.1994.ص 71.
من الشعب الفلسطيني لمعتقدات الأخر ورموزه التي تشكل قاسما مشتركا في التعبير عن حالة واحدة.ويتجسد هذا العيش المشترك للأطياف الدينية في فلسطين وهو أقوى من التعايش، حينما حسم درويش هذا المكون لشخصية الفلسطيني بالقول (…الأنبياء جميعهم أهلي…)( حجر كنعاني.
( 4 )_ المكان : لقد جسد درويش المكان كمكون لهوية الفلسطيني، فالمكان وهو في الأصل المدينة أو القرية أو الحقل أو البحر وبمجموعها تشكل جغرافيا الوطن، يبرزه درويش ليبقيه حيا في الوعي ويبعد بذلك أي إمكانية للاغتراب قد يواجهها الفلسطيني، الذي يتعرض لعمليات إسرائيلية مستمرة لطمس معالم هذا المكان واقتلاع اسمه وإحلال أسماء غريبة مستمدة من الأسطورة الإسرائيلية محل الأسماء العربية للأمكنة العربية الفلسطينية، في محاولة لخلق هوية إسرائيلية يهودية.وقد كان النص الشعري لدرويش صريحا مباشرا قلما يدخل فيه الرمز، حينما يتعرض للمكان، فقد وصف أحيانا تفاصيل هذا المكان ليؤكد وجوده التاريخي والجغرافي والثقافي الفلسطيني العربي.فمثلا بحر فلسطين حاضر بقوة في كثير من أشعار درويش وينفي الرمزية في استخدام البحر فيؤكد” بحري هو بحرك، بحرك بحري…البحر هو البحر“2“.وقد ربط وجوده بالمكان أي أن الفلسطيني والمكان هما واحد، وهذا المكان مسكون بالفلسطيني ، وهذا الأخير مسكون بالمكان فهما متلازمان غير منفكان، بل أضحى المكان معرفا على الفلسطيني ومحددا لهويته، (…أنا الأرض والأرض أنا…) كما أن المنفى لم يغير من حقيقة الارتباط العضوي والروحي والثقافي بين الفلسطيني ومكانه، فهما موجودان معا في الحل والترحال ( أنا ابن الساحل السوري أسكنه رحيلا أو مقاما، بين أهل البحر….)”3“.إن الاندماج بين الإنسان والمكان يعني أنهما مكون واحد لوجود واحد، فما دام أحدهما موجودا فإن المندمج فيه هو حتما موجود، وبالتالي فإن كل محاولات التغيير والتزوير والاستبدال للمكان لن تنجح، لأن فصل المكان عن الفلسطيني غير ممكن ( ..فالكرمل فينا، وعلى أهدابنا عشب الجليل…)”4” ، كما أن المكان ثابت لا يتغير أصل وجوده
(1)_ درويش محمود.قال المسافر. الديوان.ص310 ).
(2)_المرجع السابق.ص 524.
( 3)_
( 4)_
وإن زورت مظاهره بالأسماء المستبدلة وبالمعالم المفتعلة ( …كم مر الغزاة وغيروك وغيروا أسماءها، كم أصلحوا عرباتهم وتقاسموا شهداءها، وهي التي بقيت كما كانت ….)”1“.(بلادنا هي أن تكون بلادنا، وبلادنا هي أن تكون بلادها…)”2“.وأحيانا يصير المكان عنونا للفلسطيني ودالا عليه إذا ما ارتبط المكان بحدث بارز ومفصليي في تاريخ الفلسطيني كم هو حال مخيم صبرا الفلسطيني في لبنان الذي وقعت فيه مجزرة (…صبرا هوية عصرنا إلى الأبد..)”3“.
_ الموروث الشعبي :
إن أبرز مظاهر الاستلاب التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني منذ عقود هي موروثه الشعبي بكل مكوناته الفلكلورية والتراثية والتقاليد والعادات.لأن الموروث الشعبي هو أحد التأكيدات على الفعل الفلسطيني في الحضارة الإنسانية.لذا فيعمل الإسرائيليون على استلاب هذا الإرث وتزويره ومحاولة فرض الصبغة اليهودية عليه.إن الإنسان يتميز بتراثه المتراكم عبر حقب زمانية طويلة والذي أبدعه بفعله وإنتاجه الفكري وتجاربه اليومية، وهذا التراث يصبح سمة من سماته المميزة عن الأخر.وإن استلهام التراث الشعبي لجعله مكون لتمييز الفرد أو الجماعة ، يؤكد أن كثيرا من جوانبه تعد فارقا يمكن أن يعرف الفرد أو الجماعة به.
لقد شكل التراث مرتكزا في شعر محمود درويش، إلى درجة يعرف على ذاته كفرد أو كجماعة من خلال بعض المستلهمات التراثية (…وميزاتي ، على رأسي عقال فوق كوفية…)”4″ فالميزة هنا هي خاصة بالفلسطيني فردا أم جماعة، فارتداء العقال والكوفية هي من الفعل الفارق بين الفلسطيني / العربي وغيره.والكوفية والعقال هي ألميزة الظاهرة المحسوسة التي يعرف بها العربي من طرف الأخر حتى وإن كانت الميزات الأخرى غير محسوسة أو ظاهرة.
( 1)_ درويش محمود. رب الأيائل يا أبي. الأعمال الشعرية الكاملة،1_3.ط3..2008. 27.
( 2)_درويش محمود.مأساة النرجس ملهاة الفضة.المرجع السابق..ص536.
( 3)_ درويش محمود.مديح الظل العالي.مرجع سابق.
( 4)_ درويش محمود.بطاقة هوية.الأعمال الكاملة.2008.
( 6 )_ اللهجة والصوت :
قد تكون اللهجة مميز ظاهري جماعي لفئة من الناس داخل الجماعة الكبيرة ذات اللغة الواحدة، وهي مميز للجماعة عن غيرها من الجماعات الأخرى.ويميز الفرد/ الجماعة بلهجتهم، فيعرفوا ويستدل على هويتهم من مجرد لهجتهم أو نطقهم عند التعبير الشفوي.واللهجة هي تعبير لفظي يتعلق بالتغيير المعجمي الذي قد يحمل استخدام مفردات دلالات مغايرة لدلالتها بالنسبة لفئة أخرى من الناس.وقد “يتبع التغيير المعجمي تغيير صوتي من حيث الإسقاط والحذف والتسكين والإبدال والإدغام والدمج…”1“.ويكون التغيير الصوتي مميز بين فئة وأخرى من حيث مخارج النطق والكلام.
والفلسطينيون عموما يتميزون بلهجات خاصة بهم خاصة التغيير الصوتي منها حسب المنطقة التي يعيشون فيها سواء أكانت مدينة أم ريفا أم بادية، وإن كان التغيير المعجمي ليس واضحا أو شاسعا بين تلك المناطق.ولكن الفلسطينيين يعرفون من الأخر بلهجتهم ونطقهم، فأضحت اللهجة سمة مميزة للفلسطيني عن غيره.وهذا ما جسده وعبر عنه محمود درويش في أكثر من موطن شعري حينما أراد التأكيد على الهوية الفلسطينية ( …فلسطينية الكلمات والصمت، فلسطينية الصوت…)، فعندما يتكلم الفلسطيني تدل عليه كلماته أو لهجته وصوت نطقه للكلمات.
( 7 )_ الصفات :
إن الصفات قد تتداخل في إطارها العام مع مكونات الهوية العربية والإنسانية عموما.فالهوية الفلسطينية في عمقها مكونات عربية، وأيضا قد تتداخل مع مكونات هويات غير عربية، فظاهر الصفات هي في الأصل قاسم مشترك بين الناس جميعا….، ولكن ما يميز مكونات صفات الفلسطيني عن غيره، أن لها تفاصيل مختلفة وهي الفارقة..
وقد عبر درويش عن صفات الفلسطيني المميز مباشرة دون رمزية أو تأويل.لأن هذه الصفات محددة وخاصة.وأبرز هذه الصفات لون الشعر ولون العينيين ( ..سجل أنا عربي، ولون الشعر فحمي، ولون العينين بني…)”2” وهنا ارتبط تحديد الاسم والعرق بالصفة الجسدية المميزة
(1)_ عباس محمد الصوري.دواعي التطور اللغوي في قضايا اللغة العربية. مجلة اللسان العربي / مكتب تنسيق التعريب بالرباط
( 2 )_درويش محمود.بطاقة هوية. الأعمال الشعرية الكاملة،1_3.ط3..2008.
والفارقة، فالعربي يكون لون شعره أسودا في الأغلب وكذلك فإن لون عينيه يكون ذا ألوان غامقة أو داكنة، بخلاف الأخر غير العربي الذي ربما يكون ذو شعر أشقر وعينان ملونتان.ويؤكد على هذه الصفات المميزة حينما يتحدث عن الأرض (…يذكر جيلنا الآتي مساربه إلى البيت، فلسطينية العينين والوشم…)”1“.فالعربي الفلسطيني يمكن تميزه عن غيره بأهم صفتين شكليتين ظاهرتين هما لون الشعر ولون العينين، خاصة أن درويش نفسه تتطرق لذلك حينما قال (…كعيون سائحة أطلت ذات فجر، لا الأم أمي، ولا الوليد أخي ولا ذات العيون الخضر لي…)”2“.
ثانيا :المكونات ( الأوصاف ) النفسية :وهي مكونات قد يختص بها الفلسطيني/ فردا / جماعة دون غيره من الشعوب الأخرى بفعل واقعه السياسي وتتمثل فيما يأتي :
( 1 )_ الاصطبار : وقد عبر عنها درويش بالهم، إذ أن معانات الفلسطيني تختلف عن معانات الأخر ، فأرضه محتلة، ولاجئ إما داخل وطنه أو خارجه، لذا فهو في حالة مقاومة وثبات حتى إنهاء الاحتلال.
( 2 )_ الأمل: وقد عبر عنها درويش بالحلم، فالفلسطيني المتمسك بحقه والمدافع عن أرضه، لديه دائما تطلع لينال حريته وتحرير وطنه، فهو يحلم بالمستقبل الجميل رغم الحاضر المؤلم.
فدرويش يحرص في ( عاشق فلسطين ) أن يذكر الجيل الآتي بهويته التي هي ( …فلسطينية الأحلام والهم…فلسطينية الكلمات والصمت).
( 3 )_ الصمود ولثبات : وقد عبر عنها درويش بالميلاد والموت على أرض الوطن دون غيرها، ( …فلسطينية الميلاد والموت…)، كما أن الوطن غير قابل للترحال رغم المنافي، وحتى الفلسطيني
( 1 )_درويش محمود.عاشق من فلسطين.المرجع السابق.ص 44.
( 2 )_درويش محمود.مطر.المرجع السابق.56.
المهجر في المنافي البعيدة هو ليس مسافر (…أه يا جرحي المكابر ..وطني ليس حقيبة، وأنا لست
مسافر…)”1″.ويمضي في التأكيد على جانب الصمود كمكون من هوية الفلسطيني إذ يرفض أن يتحول الوطن إلى مجرد ذكرى أو تذكار ( …نحن في حل من التذكار،فالكرمل فينا ، وعلى أهدابنا عشب الجليل…)”2“.
أبعاد الهوية في شعر درويش :
على الرغم من أن محمود درويش أكد في كثير من قصائده على سمات الهوية الفلسطينية المنتجة من الوجود والفعل الفلسطيني.إلا أنه أيضا أبان بوضوح عن أبعاد أخرى للهوية الفلسطينية كونها فاعلة في محيطها ومن ثم في الإطار الكوني الأرحب.فالهوية الفلسطينية ثلاثية الأبعاد يتداخل فيها الوطني والقومي والإنساني.من دون تذويب لأي منهما وإنما تتكامل هذه الأبعاد في منظومة ثلاثية، بحيث يؤثر كل بعد في الأخر ويتأثر به ، وهذا ما حقق للهوية الفلسطينية فعلها الجلي في الحضارة الإنسانية.فالهوية الفلسطينية تتشابه أو تتطابق مع هويات قومية وأخرى إنسانية في بعض الصفات وتختلف في بعض الصفات الأخرى.وهي تتأثر بالتطور المعرفي التكنولوجي الذي خلق كثيرا من السمات المشتركة بين الهويات المتعددة في المجتمع الإنساني، ولكنها في ذات الوقت تحافظ على كينونتها ذات الثوابت الأصيلة.
أولا : البعد الوطني :
لقد أكد درويش على الصفات الظاهرية والصفات النفسية للهوية الفلسطينية التي جعلها مميزة عن غيرها من الهويات، بحيث تشكل هذه الصفات علامات فارقة للهوية الفلسطينية مما حفظ لها خصوصيتها المستمدة من تاريخ الشعب الفلسطيني وجغرافيته وثقافته وواقعه.فهي هوية متفردة لا تتشابه في هذه السمات مع هويات أخرى (…والآن يسكن يافا، ويعرفها حجرا حجرا، ولا شيء يشبهه ولا الأغاني تقلده…)”3“.فلكل شعب له خصوصيته وخصائصه وصفاته المختلفة عن الأخر (…لن يصب النيل في الفولغا ولا الكنغو ولا الأردن في نهر الفرات..كل نهر وله نبع ومجرى مياه…)”4“.
(1)_ درويش محمود. يوميات جرح فلسطيني.الديوان المجلد الأول. ص 524.
(2 )_ درويش محمود.المرجع السابق.
( 3 )_ درويش محمود.عائد إلى يافا.الأعمال الكاملة،1_3.ط3. 2003.
( 4 )_ درويش محمود.عن الأمنيات.المرجع السابق.
ثانيا البعد القومي :
إن تفرد الهوية الفلسطينية في صفات خاصة بها لا يعني ذلك انعزالها عن عمقها القومي العربي، بل أن أصل الهوية الفلسطينية وجذورها هي عربية، وقد أخذت سمات خاصة بها بحكم الموقع الجغرافي وبجكم الخصوصية التاريخية السياسية التي عاشها الشعب الفلسطيني على مدى الحقب التاريخية السالفة.بل أن بعض الخصوصيات للهوية الفلسطينية تتشابه وخصوصيات هويات عربية أخرى أو تتطابق معها.ودرويش أتى على خصوصيات الهوية الفلسطينية حينما تتعرض هذه الخصوصيات للاستلاب والاقتلاع والإلغاء والتزوير والاستيلاء على المكان والذاكرة من طرف المحتلين المتعاقبين على فلسطين، وذلك قصد التأكيد على هذه الخصوصيات وحمايتها، وأيضا يأتي عليها حينما يتعرض لمأساة الشعب الفلسطيني وبطولته”( …فلسطيني حتى أطراف أصابعك…فلسطيني حتى الحماقة، وهذا هو مجدك إذا كان المجد يعينك …)”1“. ويأتي على الكل القومي في التعبير عن الهوية حينما تستنهض مكونات التاريخ والدين والقيم والموروث الشعبي وغيرها لتأكيد امتداد الشاعر التاريخي والثقافي والاجتماعي في أمة تتجاوز حدود الجغرافيا وحدود الذات الفردية أو الجماعية، وذلك حينما يواجه فردا أو جماعة من قبل المحتل بالتشيك في الجذور والأصل أو لإقصاء، فقصيدة بطاقة هوية هي رد حاسم على محاولات الأخر الإسرائيلي المحتل بتفتيت الهوية العربية للفلسطينيين حينما سعى إلى تصنيفهم في طبقات وأوساط متباينة منزوعة من عروبتها وقوميتها ( الوسط الإسلامي، الوسط المسيحي، الوسط العربي، الوسط الدرزي، الوسط البدوي…). فالعلاقة بين الوطني والقومي في بعد الهوية كالعلاقة بين الخاص والعام.فدرويش كان حاسما ودون تأويل حينا عرف على الفلسطيني وميزه عن الأخر في بطاقة هوية إذ قال (…سجل أنا عربي…) وتحدث في موطن أخر ( …أنا أحمد العربي، فليأت الحصار..جسدي هو الحصار…)”2. بل جعل كثيرا من رموز العرب المكانية والإنسانية مدعاة للفخر الفلسطيني وذلك حينما كتب عن بيروت وبغداد وعن مصر وعن الشام وعن جمال عبد الناصر ، وهو يؤمن بالوحدة العربية (..أنا ابن الساحل السوري …) فهو يؤكد أن فلسطين هي جزء من جغرافيا العرب وتاريخهم.
فإن المسافة الفاصلة بين الوطني والقومي لتحديد المكون الأساس للهوية في فلسفة درويش الشعرية دقيقة وإلى حد التماهي، وأحيانا تتداخل للتعبير عن الحقيقة ذاتها.فالقومية هي منطلق
( 1 )_درويش محمود. مديح الظل العالي.مرجع سابق.
( 2)_ درويش محمود. أحمد الزعتر. أعراس.عكا: دار الأسوار.1977.
الوطني وهذا الأخير جزء من المكون الأول.وقد عبر درويش عن القومي ” بالعربي “.( ….سجل أنا عربي …)، وعن الوطني بالفلسطيني. ومن هنا نجد أن مكون الهوية هو مكون متداخل بين العروبة كعرق والفلسطينية كوطن ، ليتماهيا معا في ( فلسطيني عربي ).
ثالثا : البعد الإنساني :
إن خصوصية الهوية الفلسطينية، لا تتأس على مكونات شوفينية وعنصرية منغلقة، فليس ثمة في هذه الخصوصية ما يعظم من البعد الفلسطيني ويحقر الأخر، فلا وجود لمفهوم الأغيار.( لا تسألوا الأشجار عن اسمها، لا تسألوا الوديان عن اسمها…)”1“ولا وجود للكره، (…لا أكره الناس…)”2” وأن مقاومته للأخر هي مقاومة مجبر عليها بفعل الاحتلال.كما لا وجود للحدود بين الأنا ونحن وهم (…كل قلوب الناس جنسيتي، فلتسقطوا عني جواز السفر…)”3“، إن درويش يجسد بهذا الفهم وهذه الرؤية أممية الهوية الفلسطينية مع عدم تخليها عن خصوصيتها، فهو يؤكد بذلك على القواسم المشتركة بين الفلسطيني وغيره من الناس ( الأخر ) وهو العمق الإنساني للشخص أيا كان وأيا كانت صفاته الظاهرة وحتى النفسية.ومحل هذا العمق هو القلب كرمز لقيم سامية تقوم على المحبة والتسامح والتلاقي.فهو تجاوز بذلك بفلسطين حدود الجغرافية والتاريخ ، لتتحول إلى رمز اللاحدود في الوعي الإنساني وفي الأفق الكوني.
( 1 )_ درويش محمود.جواز سفر.الأعمال الكاملة.ط3. 2008. ص 174.
(2)_ محمود درويش.بطاقة هوية.نفسه.
( 3 )_درويش محمود.جواز سفر.مرجع سابق.174
خلاصة عامة تركيبية
شكلت الهوية عنصرا مهما ومرتكزا أساسيا في شعر محمود درويش، كتعبير عن كينونة شخصية للشاعر نفسه وأيضا كدلالة مميزة لقضية وطنية إنسانية ينتمي إليها درويش.وقد حملت قصائد درويش الهوية الفلسطينية وعبرت بها من الذات إلى الكونية لتتعايش مع الأخر المتباين في إطار منظومة يقر بها بالخصوصية وفي الوقت ذاته يقر بالحقوق الإنسانية العامة.فأضفى بذلك ميزة أخرى لهذه الهوية كجامعة لكل خصائص وميزات الذات والقومي والإنساني.ويمكن تحديد خصائص الهوية الفلسطينية كما صاغها درويش بما يأتي :
( 1 )_ إن الهوية في شعر محمود درويش تقوم على ثلاثية الوطني_ القومي_ الإنساني، وأن أيا منها ليس بديلا عن الأخر أو نافيا له، بل أن التشابك والالتحام بين هذه الأبعاد هو المميز لهذه الهوية.فدرويش لم يستنهض مقومات الهوية الفلسطينية على أساس أيديولوجي أو سياسي أو مذهبي أو طبقي وإنما على أساس إنساني في إطار منظومة متكاملة تكاملية تبدأ من الأنا وتمر بنحن وتمتد في الأخر الإنساني. فبفعل شاعرية درويش ونظمه الحامل للهوية، فقد سبق كل مفاهيم ودلالات العولمة بزمن كبير حينما عولم الهوية الفلسطينية في جانبها الإنساني كرمز للبطولة والتضحية والمقاومة والحق والتسامح وحب الأخر وتذويب الحدودية بين الناس، دون تخلي عن الذات وخصائصها وسماتها المميزة، وفي ذات الوقت دون تيبس وتقوقع وانعزال عن الآخر، فصار الفلسطيني أينما كان مميزا وملهما ومحترما، حيث بات يشغل حيزا في ذاكرة الأخر وغدت الهوية الفلسطينية رمزا لكل ما هو سامي.فقد استشعر محمود درويش بأن صيرورة الهوية الفلسطينية تقتضي صيرورة التفاعل مع الآخر والتأثير به والتأثر به في إطار التعددية الثقافية والاجتماعية والسياسية.وخلاف ذلك قد تجد الهوية ذاتها متقهقرة غير قادرة على الحفاظ على مقوماتها وفي الوقت ذاته غير قادرة على معايشة واستيعاب التغيرات المتلاحقة.لذا فإن ممازجته بين الوطني والقومي والإنساني كأبعاد وقيم للهوية الفلسطينية هو دفاع عن الهوية الفلسطينية ذاتها، وليس ذلك فقط وإنما إبقاءها حية فاعلة مؤثرة ومتأثرة.فثمة كثير من الهويات لشعب ما قد تراجعت أو تلاشت بفعل التذويب أو الذوبان في قيم أخرى حلت محلها، لأن تلك الهويات لم تكن قابلة للإضافة.
( 2 )_ إن محمود درويش لم يستدع عناصر الهوية الفلسطينية / العربية لتكون حاضرة في شعره فقط أثناء الحروب والمقاومة، والتي عادة تبرز في سياق محاولات الاستقطاب بين الذات الفلسطينية الفردية / الجماعية وبين الأخر المتمثل في الإسرائيلي فحسب، وإنما ليؤكد أن الشعب الفلسطيني المنتمي لمنظومة من الدوائر القطري، القومي، الإنساني، له حضور طبيعي وحضور فعلي وحضور تاريخي في الإطار الإنساني.فالهوية ليست استجابة للأحداث وإنما فعل إنساني مرتكز لثقافة ممتدة من الماضي إلى الحاضر ومن ثم إلى المستقبل.وهذا الفعل لا تلغيه محاولات الاستلاب الإسرائيلي التي ارتكزت على مقولة عدم وجود للشعب الفلسطيني، إضافة إلى تزوير تاريخه ومكونات وجوده منذ عقود ، والمتمثلة في محو الأسماء العربية للأماكن واستبدالها بأسماء يهودية، وكذا محاولة سرقة مورثه الشعبي وتزويره ليصبح يهوديا، وأيضا محاولة شطب الفلسطيني ذاته من خلال العمل على تذويب هويته المميزة في هويات أخرى، لأن هذا الفعل ألتزويري لا يؤسس حقائق ولا يلغي حضورا فعليا للشعب الفلسطيني تجاوز وجوده حدود الزمان .فقد شكل شعر درويش ذاكرة غير قابلة للنسيان للهوية الفلسطينية بمكوناتها الثقافية والمكانية والزمانية وماضيها وحاضرها وحاملها إلى المستقبل، لأن أصل الحقائق لا يتغير أو يتبدل وإن تغير الفاعل والفعل.
( 3 )_ لقد تعالى بالهوية الفلسطينية عن العرقي والعنصري الشوفيني، فسمت بقيم سامية لتكتسب بعدا إنسانيا أرحب من حيز المكان أو مجال الزمان دون أن تتصادم معهما أو تتنافر مع مقومات هويات أخرى مع احتفاظها بثوابتها.
( 4 )_ وعلى صعيد الذات الفلسطينية استطاع درويش أن يحفظ لكل الفلسطينيين المشتتين أينما حلوا أو أقاموا الشق الفلسطيني كثابت يوحدهم في إطار هويتهم المركبة المتباينة في شقها الاغترابي بفعل تباين ثقافات المجتمعات الجديدة التي اندمجوا أو انصهروا فيها.فبات شعر درويش شريان يربط الفلسطيني المهجر بوطنه الأم وتاري