ندى
الأحد 14 أغسطس 2011
العمر : أربع سنوات وأحياناً عشرون سنة .
الصفات :
عيناها : مخيما لاجئين وقت الجوع و العطش .
شفتاها : مشققتان كأرض أريحا البور .
شعرها : آثار شلال جاف على سفح جبل التجربة.
وأيضاً كشجرة ليمون ضعيفة في بيارة جف ماؤها.
-1-
أمسكت ندى بأطلس الجغرافيا الكبير والذي يملكه أخوها، تصفحته قليلاً ونظرت إلى خارطة العرب، وضعت اصبعها الصغير تتلمس المدن والعواصم تنهدت قليلاً قائلة لنفسها:
- صديقتي وفاء في الشام.. لن أراها هذا الصيف وصديقتي نجاة من العراق وهذا يعني أنني لا أستطيع رؤيتها إلا في الشتاء .. وسماح لن تحضر من لبنان إلا في الربيع .. وعتاب وخديجة تسكنان في الأردن وقطر .. ولكن كيف سأراهن جميعاً في وقت واحد؟
تذكرت ندى ما قاله اخوها عن السبب وهو الخطوط الحمراء المرسومة بين بلدانهن .. لم تكمل حديثها لنفسها، أمسكت بالممحاة لتمحو الخطوط الحمراء بفرح.
- سأراهن الآن في وقت واحد.
-2-
جاءت الزيتونة تشكو أمرها لندى ممسكة بيد جارتها التينة قائلة:
- لقد اصفرت أوراقي يا ندى .
وقالت التينة – وأنا أيضا.
وحط عصفور كان صامتاً في السماء على كتف ندى وقال:
- لم أجد القمح وأن أتضور جوعاً .
ومن تحت قدميها تفوهت الأرض وصاحت هي الأخرى :
-عطشت و تشققت .
أمسكت ندى الفأس بيديها الصغيرتين تحرث الأرض لتخضر الزيتونة وجارتها التينة ويغرد العصفور كما اعتاد، و من عرق جبينها كانت أنهاراً تروي الأرض العطشى .
-3-
نامت الأرض في قلب الوطن،و هربت البرتقالة على ظهر الأرض واستراح الفلاح على جذع البرتقالة، واحتمت القطة في حضن الفلاح.
كانت ندى تراقبهم وهي تبتسم، ولكن سرعان ما اختفت ابتسامتها عندما جاء الغريب ليسرق البرتقالة والأرض، أمسكت ندى “بفأس” صغيرة عبارة عن دمية اشترتها في العيد لتحرسهم من شره، ولكنه تمكن من سرقة الأرض والبرتقالة. وما تزال ندى تطارد اللص الغريب حتى تمكنت من استرجاع الأرض والبرتقالة وهي في العشرين من عمرها “بفأس” حقيقية.
-4-
كانت ندى عائدة من المدرسة تحمل حقيبتها الصغيرة، حين رأت فلاحاً يعمل بجهد متواصل. اقتربت منه وهو يضرب الأرض بمعوله ثلاث ضربات متتاليات ويخرج صوتاً مع زفرته القوية. استوقفته لتسأله عما يقول وهو يعمل وبادرته قائلة:
- عمت مساء يا عم.
- ومساؤك أيضاً يا بنية.
و أجاب وهو ينظر إلى وجهها الصغير.
- سمعتك يا عم كأنك تحادث نفسك .. ترى ماذا كنت تقول وأنت تعمل ؟
أجاب:
- كنت أقول مع كل ضربة حرفا .. الضربة الأولى حرف الألف والثانية حرف الراء والثاثلة حرف الضاد.
تناولت ندى دفترها من حقيبتها ودونت ما قال الفلاح وفهمت ما يعنيه.
وفي طريقها إلى البيت شاهدت عاملاً يقوم بعمله فقالت لنفسها.. لعله ينطق بأحرف الشين والعين والباء، وتناولت دفترها ثانية وكتبت هي أيضاً و. ط. ن. ولم تكد تكمل الحرف حتى فاجأها أحد الغرباء .. وعندما فرأ هذه الأحرف حاول أن يخنقها كي لا تصل الأحرف إلى حلقها، ولكنها ابتسمت في وجهه بهدوء، وحين تركها ضحكت بأعلى صوتها وقالت له:
- لقد وصلت هذه الأحرف إلى قلبي .. وعقلي.
-5-
انطلقت ندى تركض خارج البيت لتشتري ألوان رسم، ولكنها توقفت فجأة عند شجرة الزيتون المقابلة لبيتهم، قطفت غصناً صغيراً وحملته معها ، تابعت سيرها حتى وصلت تل الزعتر وأخذت قليلاً من ترابه، ومدت يدها عالياً وقطفت شعاعاً من الشمس، ثم عادت إلى البيت.
لم تكد تضع غصن الزيتون الأخضر، وشعاع الشمس الأبيض، وتراب الأرض الأحمر حتى جاءت أمها، فتذكرت ندى شيئا وقالت لأمها بأن تحضر لها قطعة من ثوبها الأسود، تعجبت الأم منها وأحضرت لها ما طلبت، رتبت ندى هذه الأشياء، ولكن أمها لم تفهم شيئا فسألتها:
- ما هذا يا ندى ؟