أرشيف شهريوليو 2011
اسفرت المطاردة الساخنة بين عدد من الجنود المشاة وعدد من الاطفال في المسافة القريبة من الجدار ، عن القاء القبض على احدهم في العاشرة من عمره ، يحمل على كتفيه كيسين كبيرين … وبعد التهديد والتوقيف ، يعرض احد الجنود محتويات الكيسين امام رفاقه.
من دفتر القلب
الجمعة 29 يوليو 2011عندما يتحدث القلم وتصمت الشفاة !
سيدتي الجميلة
انا لا اشعر بالخجل الا عندما انظر في عينيك الجميلتين …فأجد القلم يسعفني من حالة الاحراج ليترجم ما بداخلي من حالة الصمت وهو الذي يجد الكلمات المناسبة والاقدر على الكلام … فتراني اشبه بالجندي المقبل على اقتحام الموقع في ساحة القتال… وكلما حاولت اقتحام هذا الموقع الجميل اجد امامي نظراتك المزروعة بالالغام … وكل خطوط التماس في جفنيك غير امنة فلا استطيع ان اخطو خطوة واحدة في الكلام .
سيدتي الجميلة
قديماً قالوا :
من علمني حرفاً كنت له عبداً
وانا اقول :
من علّمني حبا كنت له قلباً
فاسمحي لي ان اقدم اوراق اعتماد قلبي كسفير مقيم في هاتين العينين واقول:
على العينين بعض ضباب
وبعدي عنهما غربة
لعينيك انا كحل
ودمعة علىخديك انساب
لعينيك اناشيد الاطفال
وزغاريد النساء
اذا ما سبل شهيد
عينيه في ساحة الشهداء
سيدتي الجميلة
تهمتي في هذا الزمان
اني احب الناس اكثر
كلما جنيت على نفسي بالحب
حاكموني بتهمة اكبر
يحكى ان رجلاً احب سيدته الجميلةحباً شديداً،وحاول دائماً ان يظل بقربهاويسرد لها عن سر حبه لها ،وان الليالي التي يقضيها لوحده اصبحت اياماً ثقيله وهو لا يراها الاّ في النهار، وان سر جمالهايكمن في عينيهايرىفيها كل ذكرياته وايامه الحلوة ، بل هما مراتين يرى من خلالهما كل شيءجميل ، ولما شعرت بذلك ،امسكت بهاتين المراتين وكسرتهما عقاباً له على الحاحه بعد ان كثرت احاديث العزّال والحاسدين وتناثرت المراتين الى قطعٍ
صغيرة تكاد تعد الالف قطعة، واخذ هذا الرجل يحاول لملمةهذه القطع ، وكلماجمع قطعة اصيب بجروح في يديه ، وكلما نظر الى جزء من المراتين وجد صورته قبيحة لانه كان السبب .وهو لا يعرف بعد ان هناك كلمة سر اذا قالتها للمراتين تجمعت القطع وعادت كما كانت في السابق .
فهل انتظر كلمة السر؟ ام تراك نسيتها؟!
ام احمد
الجمعة 29 يوليو 2011الحاجة ام احمد…تحمل فوق رأسها سبعة ارطال من الورق دوالي لتبيعه في سوق باب العامود … وفي رأسها تحمل ثلاثة ارطال من الهموم .
- يا حجه …. الورق نشف من حرارة الشمس .
- وريقي نشف … يا ابني !
- الله يجازي اللي كان السبب !
قالت
خذ يا ابني الله يرضى عليك … نزللي هالكيس الله يعطيك الصحه .
- الله يورينا فيهم يوم … يمهل ولا يمهل .
تنهدت وقالت :
- ايه .. يا ابني…. ابعدونا عن القدس
.
كنت اعتقد ان الحاجة ام احمد ستداوم عشرين سنة اضافية على هذا المشهد.
ولكنني رأيتها بقسم العظام في المستشفى وهي تسير على عكازتين ، وقد كسرت ساقها بالقرب من الجدار، ويقف بالقرب منها … ابنها الطبيب !
بالبونط العريض !
الجمعة 29 يوليو 2011
انا وفي جلسة سرية ومغلقة وبعد مباحثات عبثية مع المدام في مطبخنا قررنا ما يلي :
* تهنئة اربعة من الطلبة الناجحين في التوجيهي لهذا العام والمقربين فقط .
*تلبيةالدعوات لحضور خمسة اعراس من ما مجموعه ثلاثون عرساً واقتصار” النقوط” على عشرة دنانير كحد ادنى والاقصى عشرون .
*اقتصارالمباركه لخريجي الجامعات واختصار “الطّله” على كيلوقهوه والعدد لخمسة خريجين فقط .
* من حقي استخدام النقض في حضور اي خطوبة خاصة في القاعات .
*عدم حضور اي حفلة لمولدلاي طفل كان والانتظار حتى موعد مراسيم طهوره .
*توزيع المهام وفرز الدعوات فتناول طعام العرس من اختصاصي والحنه للنساءفقط .
*الذهاب لجميع ما ذكر من البنود في المواصلات العامة او سيراً على الاقدام – نمره 11 –
*عرض مقررات هذه المباحثات والبيان الختامي على قناتين فضائتين فقط هما طفران( 1) ومفلس( 3 )
ما ان خرجنا من المطبخ باتجاه الصاله الا القيامه قايمه والاولاد يحملون لافتات ويصيحون
لافتة( 1) – ارحل!
اريد الذهاب الى غرفة نومي !
لافته(2)- بوستر كبير لطفل صومالي ميت من الجوع وتحتها عبارة : هل هذا مصيرنا في رمضان يا ماما؟!
لافته( 3)- وين اقساط الجامعه؟… وين المصروف؟ !
وبصوت واحد بصيحو : الشعب يريد اسقاط المدام !
وصحت فيهم … ولا انت واياه بتفكرو امكم سوزان مبارك والا ليلى الطرابلسي …. ولكم اذا سقطت المدام شو رايح يظل من النظام ! والله واهلين !
الصوت الآخر قصة قصيرة
الأربعاء 27 يوليو 2011
-هل رأيتم حسن إبراهيم هذا الصباح ؟
وسرعان ما توجهت الأنظار إلى محمد ، و توقفت الأصوات و الحركة في مقهي القرية.
- حسن إبراهيم هنا ؟
سأله المختار باستغراب .
- هل جننت يا محمد ؟
- لا يا مختار ما زلت بعقلي.. وأحلف لك أنه عاد من جديد ؟
قاطعه المختار .
- دعك من المزاح يا محمد.
و نهض أحد الحاضرين من مكانه و قال:
- إنه لا يمزح يا مختار .. لقد سمعت أنا الآخر من ولدي الصغير أثناء خروجه من المسجد.
- غير معقول يا ناس .. حسن إبراهيم مرة أخرى.
أخذ المختار يتذكر آخر اللحظات التي ودع فيها حسن إبراهيم.
- ما هذا الصباح . النكد ! وماذا سيقول الدكتور خليل الآن ؟
و غادر محمد المقهى و هو يذيع نشرته الصباحية بين الناس كعادته و يعلو صوته .
- خرج حسن ابراهيم من المقبرة الشمالية …
و اختفى صوته خلف خطواته السريعة .
ما أن قاربت الساعة التاسعة صباحاً ، حتى كان الخبر منتشراً في أرجاء القرية .
- ما رأيك في هذا الأمر يا خليل ؟
سأله المختار.
- أرى أن المعركة الانتخابية ستكون حامية الوطيس وذلك بعد دخول الشهيد حسن ابراهيم فيها .
أجابة الدكتور خليل .
- هذا هو المنافس الوحيد لك في هذه القرية.
علق المختار قائلاً و لكنه أضاف.
- لا بأس .. ستكون منافسة عادلة .
- لا يا مختار .. لقد بدأت أشعر بالخوف الآن .. و لكن ما يطمئني هو قوة عائلتي الكبيرة و أهلي و عشيرتي .
قاطعه الدكتور خليل .
- و ما في اليدين حيلة .. بدأت ثقتي بنفسي تضعف أمام هذا الخصم.
إلا أن المختار حاول أن يخفف عن الدكتور خليل .
- لا تقلق يا دكتور .. فرصيدك الإعلامي و المالي الكبير الذي حصلت عليه من اللقاءات الكثيرة أمام محطات التلفاز و الراديو و خاصة السي .ان.ان .
- يا مختار.. لا يهم الناس إلا من قدم هل نسيت طوال سبع سنوات و نحن نودع أمثال حسن ابراهيم ؟
- معك حق .. سنفكر سويا كيف نقنع الناس بالفوز بالانتخابات.
التقط الدكتور خليل البيان الانتخابي للشهيد حسن ابراهيم عن الأرض و أخذ يقرأ به أمام المارة.
- اسمعوا معي هذا البيان .
– وأخذ يقرأ ببطىء مقصود .
- انتخبوا مرشحكم الشهيد حسن ابراهيم.. وهذه نبذة عن حياته.
- حصل على بكالوريوس في النضال و الرتبة عقيد.
“وأنا حصلت على دكتوراه في العلوم”
- اعتقل عشر مرات إدارياً في سجن النقب.
“وأنا كنت في بريطانيا و أميركا ”
- اشتبك مع قوات الاحتلال و تمكن من الفرار عدة مرات .
“وأنا كنت في مكتبي في الجامعة”.
و لكنه ألقى البيان و لم يكمل.
لننتظر .. ما هي إلا لحظات و تظهر نتيجة الانتخابات .
وأخذ المختار يتأفف من طول الانتظار ، و المقهى مزدحم بالناس وصوت التلفاز أعلى من صوت الراديو في تلك اللحظات الجميع يسمع برنامج من الأرشيف.
” سبل عيونه و مد ايده بحنونه”
” يا جمهور الأرض المحتلة .. ثوري .. ثوري ”
و الناس تهتف : بالروح .. بالدم .. نفديك يا شهيد.
ويشعر الدكتور خليل بالغيظ كلما ازدادت الهتافات .
- سامحه الله
فيسأله المختار.
- من قصدك؟
سامح الله من وضع قانون الانتخابات.. مرشح واحد فقط عن هذه الدائرة؟
” كان من الأجدر أن يكون ثلاثة مرشحين على الأقل”
“عندها فقط أستطيع التخلص من هذا الخصم”
وقعت هتافات الجماهير و زغاريد النسوة وخرج المئات من الشباب الملثمين باتجاهه وهم يصيحون.
- بالروح .. بالدم.. نفديك يا شهيد.
وخرج محمد من بين الجماهير وهو يصيح باتجاه الدكتور خليل.
- هيا معنا يا دكتور خليل.
ومضى معهم الدكتور خليل و هو لا يعلم أين يسيرون.
- لكن إلى أين؟
- سر معنا ولا تسأل.
و ما هي إلا دقائق حتى وصلوا إلى المقبرة الشمالية حيث قبر الشهيد حسن ابراهيم ووقفوا عند القبر.
وما زالت الكلمات الكتوبة عالقة على شاهد الشهيد
سقط على أرض الوطن بتاريخ 25/1/1990.
وأخرج الدكتور خليل قلمه بحركة عفوية وكتب أيضاً .
وسقط في الانتخابات بتاريخ 25/1/1996.
التوجيهي …. ام المعارك !
الأحد 24 يوليو 2011
مشهد(1) ام الولد … واقفه قبالي بدها تدفع حساب نومته في المستشفي وهو واقف جنبها وايديه ملفوفات بالشاش..وانا بقولها وين كنت لما فقع الفتاش بين ايديه ؟
يلا..سايمه انشاءالله… يعني قطعو ثلاث اصابع من ايدو اليمين واصبعين من ايدو الشمال… يعني ما مجموعو ايد واحده! وعليكم خمستلاف شيكل…قالتلي احنا خلينا هلكيت نروح… وبنجيب تحويله من السلطه !
مشهد(2) الله ستر…. دكتور العينين بقول لابو الولد …يعني لو شويه راحت الشبكيه ! لو كان قريب الفتاش شويه طار وجهوا كمان ! حاسب وتعال… وخد التقرير الطبي…ابنك رايح يظل يراجع عنا سنين…وتنساش تجيب تحويلة السلطه المره الجايه !
مشهد (3)ابني الكبير يوم ما نجح اجاني اخوه الاصغر منو شويه بدو سبعين شيكل قولتلو خير… قاللي بدي اشتري فتاش، قلتلو انا من رايي توخد المصاري واشتري فيهن بقلاوة وكنافه بدل ما يطرن في الهوا بدقيقه،بعد سنتين ويوم ما نجح هو عمل كوبي وبيست لكلامي الاولاني وما عادهاش !
مشهد(4)يعني من ساعة ما طلعت النتيجه وبلشت التلفونات والبلفونات والايميلات والفتاش … دورونا من االصبح وصارت الساعة واحده بالليل… وابنك يا مره جاب 92 وبدو هندسه ما قولتليلي .. هذا اللي مش مخلينا ننام .. جارنا اللي ورا الدار، تقولي فاتح جبهه وبحارب، ابنو قديش جاب في التوجيهي ؟انت نمتي ؟.. انا عارف لو بحوشوا هالناس مصاري الفتاش في صندوق للطلاب الفقريه وبعلموهم فيهن مش احسن لو جمعوا حق الفتاش اللي بتقعوه في الضفه بعلمو 1000 طالب متفوق.. يا م
ره بدي اعرف قديش جاب ابن جارنا اصحي، صحت لحظه .. قالتلي جاب 59 ! قولتلها اوف كل هالضرب والتقع على 59 ؟ قلتلها هذا احنا لازم نحتفل بالذخيرة الحية !والله واهلين !
بعد الزيتون قصة قصيرة
الخميس 21 يوليو 2011
كان عمرك – يا ابن أخي – خمس سنوات حين كنت تنتظر الصيفية بفارغ الصبر كباقي الأطفال، كنت تريد الحصول على “جزء عمّ ” لتحفظ سورتي القارعة والعلق ووعد أبوك بشرائه لك من “المدينة” بعد أن يبيع محصول الزيتون في تلك السنة وسيشتري كعكاً من باب العامود بعد أن يصلي في المسجد الأقصى. وكانت أشجار الزيتون تقف بكبرياء أمام ساحة بيتكم. كنا نضحك منك حين يقول أبوك بأن لديه ولداً وعشرين بنتاً فتسأله أنت عن هذه البنات فيجيبك ضاحكاً وهو يشير إلى أشجار الزيتون. وقد أطلق على كل واحدة من هذه الأشجار اسماً من بنات القرية، فهذه الشجرة اسمها نجلاء وجارتها هيفاء والثالثة ندى حتى تصل إلى هناء وكانت أكثرهن عطاءً، وكان يقضي معظم وقته على موسم قطف الزيتون فهو يقسم عمله لعدة أسابيع، أسبوع للقطف وأسبوع آخر لعصره وأسبوع ذهاباً وإياباً لبيعه في سوق المدينة، وعندها يصاب بالنشوة حين يدر عليه الموسم بأكثر إنتاج في القرية.
لم تكن أمك بأقل منه فرحاً، حيث كانت تدخر قليلاً من المال كي تكبر وتتزوج ابنة جاركم التي كانت تسكن في النصف الثاني من القرية، وشاركت في آخر عرس شاهدته بها حيث انطلقت تزغرد من بعيد تنادي على أم العريس..
وين أم العرب مالي لا أريها
في عرس ابنها تيجي أهنيها
واقفة قبالي
مش قادرة أحاكيها
نعم .. لم تمنع أمك هذه الأسلاك الشائكة التي كانت تقسم القرية إلى قسمين قسم مع العرب، والقسم الثاني مع اليهود.
وكثيرة هي الليالي التي كان أبوك يسهر مع أصدقائه تحت أشجار الزيتون وأغلب الأوقات كانت تمتد حتى ساعات السهر، وفي شهر رمضان تمتد حتى بعد صلاة الصبح، حيث يلعبون السيجة ويتسحرون زيتاً وزعتراً مع خبز الطابون، ثم يجرهم الحديث عن الزيتون وأيام الانجليز ولكن هذه الأحاديث لم تستمر طويلاً حين طلت شمس حزيران من وراء التلال بوجه أصفر، وبعد ساعات قليلة من شروقها كان أبوك وأمك يستعدان للرحيل كما أجمع رجال القرية ومختارها، ووقف ابوك يودع بناته العشرين وساحة البيت ، حينها شعر بأن أقدامه تنغرز في الأرض كجذوع هذه الأشجار ، ودموعه تفلت من عينيه انهاراً ساخنة وكأنه مولود من رحم زيتونة ، كانت جذور الزيتون تمتد من باطن الأرض حتى تصل إلى راسه وتنتهي في أعصاب رأسه ، ودموعه من زيت الزيتون ومعظم خلايا جسده من حب الزيتون، ولون عينيه من أوراق الزيتون، كانت تعني له كل شيء. وأمك هي الأخرى ودعت قن الدجاج والبيت وحبال الغسيل،و مع غروب الشمس كانا في الضفة الشرقية، عرف أبوك بان هويته وانتماءه وجنسيته وصموده وأفراحه وسعادته ومهد ولحده هي أرض الزيتون، فصام عن الفرح أيماماً وسنينًا يتذكر بناته وحماره و أيام رمضان وباب العامود وجيرانه.
كنت صغيراً – يا محمد – تكبر هنا في القرية لأن جدك لم يشإ أن تذهب في ذلك اليوم ا لى بيتكم، وهناك شعر أبوك بالندم لأنه لم يبق في القرية ليكون سماداً للزيتون. وقمنا بعمل جمع شمل له ولوالدتك، وعلى جسر “اللنبي” شعر أبوك بالولادة من جديد .. بالعرس، بالعيد، بالعودة، باللقاء، لقاء الأهل و الأصدقاء وبناته العشرين وتخليهن وقد كبرن خمسة عشر عاماً قضاها وهو يأكل من شوك الصبر ويشرب من عصير العذاب و البعد و قد آن له الأوان بأن يشرب كأس الحزن الأخير على جسر “اللنبي” وحين مر عن الجسر ترك خلفه آخر آهة من اهات النزوح والبعد والغربة والشوق ، فقد كانت القرية جنته ومأواه وماضيه وحاضره ومستقبله، وحين وقف أمام البيت يتأمله أخذنا ننادي عليه : أبو محمد .. وأبو محمد ..
ولكنه لم يجب .. نعم لم يجب .. اعتقد بأنه أخطأ البيت، لم يعرف البيت لأنه لم يجد الزيتون، رأى أمامه بناية بيضاء عالية تحل محل أشجار الزيتون والتي كانت منذ خمسة عشر عاما، أراد أن يمحو هذه الأعوام من عمره ومن عمر النكسة، تقدم باتجاه البناية حتى اصطدم بها يقبض بكلتا يديه على أحد جدراتنها ليرفعها من إحدى زواياها وهو يصرخ بأعلى صوته:
- وين راح الزيتون ؟ وين بناتي ؟نعم .. كان يصرخ وهو يدق البناية برأسه حتى تلونت بدمه ،ولم تبق أي قطرة من دم جسده إلا وامتصتها الأرض الحزينة، وكأنها كانت في انتظار عودته، وأنت ترى – يا محمد – البقعة الحمراء ما زالت ظاهرة على البناية وآثار غامقة على الأرض حتى أصبحت في العشرين من عمرك.
ملاحظة: بعد شهر واحد أذاع الراديو عن اشتباك بين أحد المسلحين وداورية اسرائيلية، كان هذا المسلح يدعى محمداً .
الشيخ نصر يشارك في البحث عن جفرا قصة قصيرة
الإثنين 18 يوليو 2011
لو ترجع بذاكرتك قليلاً يا شيخ نصر… حسنا لن تتكلم.. سأروي القصة عنك… كأنك تخجل من نبش الماضي القريب.. أم تراك ترفض الاعتراف بماضيك !
عملت-كما قلت- في مسجد البلدة بعد دراسة قصيرة في معهد ديني.. وقلت لي بأنك تعلمت مجاناً، ومصاريف السفر على حسابك الشخصي وأنت العبد الفقير إلى الله، لم تبلغ بعد الثالثة و العشرين حتى أصبحت إماماً للمسجد .. لا عيب في ذلك، فالمعدل الذي حصلت عليه في الشهادة الثانوية كان منخفضاً و الحسنة تذهب السيئة … كنت تخاف الله كثيراً وتحاسب نفسك كثيراً .. حاسبوا قبل أن تحاسبوا .. حكمتك تضعها فوق رأسك .. لا عيب في ذلك أيضاً.
كنت تسير بخيلاً إلى مسجد البلدة .. وظيفتك لا تسبب لك الإزعاج مطلقاً .. تفيق الساعة الثانية فجراً، ويعلو صوتك أرجاء البلدة وتصلي ثم تنام .. وتنتظر صلاة الظهر و العصر والمغرب ثم العشاء، وتستعد طوال الأيام الستة لخطبة الجمعة … كنت قوياً في الأملاء والانشاء ما عدا الالقاء .. لا عيب في ذلك أيضاً … وكنت تخفي سرورك عندما يموت أحد وجهاء البلدة.. فتقرأ القرآن وتصطف على المائدة فتتناول الطعام على روح الفقيد وإن كان الطعام قليلا، فنصف البطن يغني عن البطن، وتقول وأنت خارج من العزاء
- رحمه الله .. كان رجلاً صالحاً.
و في نفسك تقول:
” لم يكن الطعام كافياً.. ليتهم وضعوا مرقة على الأرز”.
وتنتظر اليوم التالي بفارغ الصبر كي تأخذ أجرك عن قراءة القرآن، وأحياناً كثيرة، كنت تحاسب الناس حساباً عسيرا .. لا عيب في ذلك فلم يكن ينقصك سوى دفتر لسندات القبض و النقدي أحسن من الدين.
مئات الأحاديث النبوية حفظتها عن ظهر قلب، وسرت تجوب الشوارع و تفتي كما تشاء، وتدخل الجنة من تشاء وكما تشاء، كأنك تحاكم البشر على الأرض، هذا أبو حسن كافر، وأبو علي فاسق، وأبو خليل منافق.
ربنا لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا يا رب العالمين. وفي الأعراس تقف أول الناس لتحصل على “علبة ملبس” لا عيب في ذلك أيضاً.
كنت يومها عند حاجز التفتيش المقام على طريق القدس-أريحا، وفتشت عن هويتك في جيوبك فلم تجدها.
“ماذا سأقول لهم؟”
“ضاعت مني “.
“لا .. لم أفقدها”.
“حبل الكذب قصير”.
و تتابعت دقات قلبك بسرعة حين قال سائق السيارة:
- حرس الحدود أوسخ خلق الله على وجه الأرض.
كنت تعلم أن حرس الحدود سيكيلون لك التهم ويشتمون دينك.
- انزل !
قال أحدهم. كما هو حاصل في مثل حالك.. وأصابك خوف شديد لم تشهده من قبل، و لم تنفع سورة الكرسي في التخفيف عنك.
“ماذا سيحدث”.
سؤال وجيه طرحته على نفسك، و أنت لا تعلم عن كامب ديفيد ولا تعرف الليكود والمعراج والمفدال، ولا تعرف سوى الناس المحيطين بك في البلدة … لا تعرف سوى سياسة كل و اشرب أما سياسة القبضتين الحديدية و الحريرية فهذه علمها عند الله … ثم ساقوك إلى المسكوبية في ذلك اليوم الرمضاني القائظ بعد انتظار دام ساعات، و لم تكن تعلم أنهم يحترمون الهوية أكثر منك.
جلست وحيداً على “البرش” وما أدراك ما “البرش” ،و أصبحت مجرد رقم كبقية زملائك في غرفة السجن.. تقف معهم.
- عشرين.
تقول حين يأتي مسؤول السجن ثلاث مرات يوميا.
جميعهم يتحدثون في الغرفة إلا أنت … جميعهم يتناقشون فيما بينهم إلا أنت .. تسرح وتفكر وتصرخ.
- زمن كافر.
- تقول لنفسك.
- “أين اختفت الهوية”؟
- عبثاً تحاول أن تتذكر مكانها.
- ” ما هذه المصيبة ؟”
حاولوا كثيراً التخفيف عنك .. لا سبيل إلى ذلك ؟؟ وانبرى أحدهم بأدب جمّ.
ما قصتك يا شيخ؟ – لا شيء.
ومع جوابك انقضى النهار.
________
بعد الافراج … لم يصدق الناس ما آلت إله أحوالك .. كم قالوا عنك .. وكم سخروا منك .. عبثاً حاولت الدفاع عن نفسك.
- السجن للرجال .. السجن مدرسة يا عالم.
- لم أكن أعلم إلا حين دخلت السجن وخضت التجربة.
- السجن .. السجن يا ناس.
وجبت الشوارع تتحدث عن عزالدين القسام وإضراب الستة وثلاثين.. وتغني مع نوح ابراهيم.
في الاضراب ضحوا كثير
واجهوا الأمر العسير
من كبير مع صغير
ستة أشهر صبر للطول
رفضوا الربح الوفير
والمثل بحكي وبقول
الشرف عند الفقير.
وتحدثت عن المعارك والبطولات والمساجين.
ومما زاد استغرابهم وسؤالهم – أنك تنازلت عن الوظيفة والأمامة.
“لا يكفي المسجد … يجب أن أنزل إلى الشارع”.
بل ظنوا أنك جننت وأنت تسأل عن المهر.
- مهر من ؟
- يسألونك
- فتجيب
- ” مهر جفرا”.
- ستعلمون فيما بعد .. فيما بعد
أقرب الأقرباء استهجنوا تصرفاتك.
- لا هذا الشيخ ليس منا … – ما له وللسجون ولجفرا !
- كل ما فعله أنه أضاع الهوية.
____________
أعلم أنني الوحيد الذي كان يفهمك .. لم يكن أحد آخر من أقربائك يفهمك أكثر مني .. كنت أعرف جفرا … وأنت الآن فيها … كلهم لم يفهموا .. حاولت القول أن جفرا لم تقع في منطقة العدو .. وجفرا ويا هالربع..
تركت هداية الناس بعد أن ملوا و شبعوا من الكلام وأنت تلاحظ ذلك منذ زمن ليس بالبعيد … تريد أن تكون قدوة لهم .. في البدء كانوا يريدون أن تكون قدوة لهم فلما أصبحت كذلك حسبوك مجنوناً .
هكذا يا شيخنا الجليل.
لا بأس .. وحدك لا تستطيع أن تصل إلى جفرا..
وحدك لن تستطيع في هذا الزمن الرديء وأنت القائل:
نعيب زماننا والعيب فينا.
ولكنك زرعت بذرة … ما من أحد الآن إلا ويقرأ الفاتحة على روحك الطاهرة.
يكفي أنك شاركت وسقطت شهيداً.
يرحمك الله .
فيرد أريحا والمخيم قصة قصيرة جداً
الإثنين 18 يوليو 2011
جمعتهما ليلة بعد تعارف طويل.. هو في الثلاثين من العمر أسود البشرة كعتمة المخيم .. و هي في العشرين، بولندية الأصل.. شقراء طويلة القامة، جاءت بعد مولدها بأشهر إلى القدس ووالدها يعمل سائق جرافة، لا تبعد مستوطنتها عن المخيم سوى كيلومترين… وحبسها المطر الغزير في غرفة أحمد الوحيدة المصنوعة من الطين و القصب… وقطرات من الماء تتساقط من سقف الغرفة.
تململت في فراشها لا تستطيع النوم من شدة البرد و ..
” لعله يفكر في الجنس في هذه اللحظات”
ويتصاعد لهاثها مع كل حركة حركة تصدر عن أحمد
“سآخذ سارة غداً إلى المخيم لترى بنفسها أن المخيمات تتشابه”
” رأت بنفسها بالأمس كيف كانوا يضعون الإشارات على البيوت الطينية التي ستهدم”
“وبعد غد سنذهب إلى غزة…”
ناما قليلاً في ساعة متأخرة من تلك الليلة… ونهضا على صوت يقترب شيئاً فشيئاً من الغرفة … مع تصاعد بعض الغبار .. نظرا سوياً عبر النافذة والجرافة قادمة نحوهما. أصيبت بالدهشة و الذهول لما رأت أن السائق
“أبي.. لا أصدق”
تعالى صوتها وصرخت لسائق الجرافة
- أبي .. أبي .. انتظر
و كان صوت الجرافة أعلى من صوتها
قفزت من النافذة لتجد نفسها أمام الجرافة … و في لحظات التحم جسدها مع الغرفة المهدمة وغبار ودم يملأن المكان.
ملاحظة : فيرد أريحا هي مستوطنة قرب مدينة أريحا، وهي تعني بالعربية وردة أريحا
yaseenmaki@yahoo.com