بقلم: فارس فائق ظاهر
مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات والأبحاث
لم يكن غريبا أن يقدم سلام فياض استقالته للرئيس محمود عباس ولا الأغرب أن يقبلها الأخير بشكل فوري دون تردد رغم التدخل الأمريكي الصهيوني السافر بالضغط على الرئيس لرفض قبولها بحجج واهية كإعادة النظر في الأموال التي يتم تحويلها للحكومة الفلسطينية وأنه هو الشخص الوحيد القادر على السير قدما في بناء مؤسسات الدولة المستقبلية ولا يحدث تحسن ونهوض في الوضع الاقتصادي لهذه الدولة إلا من خلال رئيس وزرائها الحائز على قبول وثقة المانحين, مما أعطاه قوة ودعما في قراراته وخطواته, ولم تكن تدري بأن ضغوطها ستكون لها نتائج عكسية وستضر بحليفها أكثر مما ستنفعه وستزيد أبو مازن إصرارا على موقفه هذا من الناحية الشكلية, ولكن من يقوم بالتعمق في التحليل يكتشف بأن السبب الرئيسي لقبول هذه الاستقالة هو وصول الأمور بين الرئيس ورئيس وزرائه لحد لم يعد يحتمل وأخرها قضية استقالة وزير المالية التي كانت بمثابة القشة التي قسمت ظهر البعير وطفح الكيل بها, وجاءت الظروف السياسية الداخلية خادمة لهذا الغرض وكأننا هنا بصدد أن نقول رب رمية من غير رام.
فالوضع الفلسطيني الداخلي وتعقيدات المصالحة التي تمخض عنها اتفاقي الدوحة والقاهرة لها استحقاقات تمثلت بالإعلان عن تشكيل حكومة تكنوقراط وبات جلي بأن هذا الإجراء قد أن أوانه بعد قيام لجنة الانتخابات المركزية بإنهاء أعمالها بتحديث سجل الناخبين تمهيداً لإجراء انتخابات عامة بشطري الوطن تنفيذا لمرسومين رئاسيين متلازمين يدعوان للقيام بتحديث سجل الناخبين ومن ثم تشكيل حكومة تكنوقراط وكفاءات يرئسها الرئيس محمود عباس من شأنها الإعداد لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية بنفس الوقت, حيث أن حكومة سلام فياض قد قامت بما عليها من واجبات نجحت في معظمها وأخفقت في بعضها, ولكن لم يعد مقبولا في ظل الظروف الراهنة أن تبقى هذه الحكومة كما هي وبات جليا وجوب تغييرها بشكل من شأنه أن يدفع قدما بعجلة المصالحة وينسجم مع مخرجات اتفاقي الدوحة والقاهرة من أجل طوي صفحة سوداء في تاريخ القضية الفلسطينية الذي سيبقى رهن توفر إرادة متبادلة من قيادتي حماس وفتح بالضفة وغزة, والذي لا أعتقد بأنها ستكلل بالنجاح لأن التغيرات التي حدثت على الساحة العربية مؤخراً لا تنسجم معها أن يكون هناك كيان فلسطيني موحد في ظل وجود معادلة تغيير بالمنطقة تتطلب تصفية القضية الفلسطينية ضمن استحقاقات مشروع الشرق الأوسط الجديد, وبالتالي ما قام به الرئيس أبو مازن كمن يرمي الكرة في الملعب الحمساوي ليخلي مسؤوليته الأدبية والتاريخية من نزيف الجرح الفلسطيني الداخلي ليبقى القرار عند مرجعية حركة حماس التي بات لها حساباتها الخاصة داخلياً وخارجياً بعد إجراء انتخابات مكتبها السياسي التي أصبحت تتطلب إعادة النظر في سياستها الخارجية ورؤيتها للصراع الفلسطيني الصهيوني وملفات المصالحة بناء على مصلحتها ووجودها بالمنطقة كقوة وكيان لها ثقلها, وأصبح مرفوض تجاهلها في القرارات التي تتعلق بتسوية الصراع الفلسطيني الصهيوني مستمدة قوة موقفها الدبلوماسي من الامتداد الجغرافي والغطاء السياسي التي وفرها لها وصول حركة الإخوان المسلمين لمقاليد السلطة في مصر ليعطي لها أفقا في الفضاء السياسي العالمي واستكمالاً للهلال الجغرافي الإسلامي ابتداء من تونس مرورا بليبيا ومصر حاطاً رحاله في قطاع غزة.
ورغم أن هذه الاستقالة قوبلت بترحيب وارتياح فتحاوي حيث ترى بأنها فشلت في إدارة الأزمات التي عصفت بالوضع الداخلي الفلسطيني وفي مقدمتها الأوضاع الاقتصادية فيما بقيت حركة حماس منشغلة بترتيبات ما تمخض عن انتخابات مكتبها السياسي وما زالت الفرصة مبكرة لتلحق في ركب إعلان موقفها الرسمي من تشكيل حكومة قادمة ستأخذ شكلها بناء على موقف حركة حماس الذي سيحدد إما حكومة كفاءات يرأسها الرئيس محمود عباس كما تم الاتفاق عليه وفق استحقاقات المصالحة الوطنية والذي يتطلب قيام حكومة إسماعيل هنية بتقديم استقالتها لكي يتسنى تشكيل حكومة تقوم بإدارة شؤون الدولة بين شطري الوطن والإعداد لإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية عامة متزامنة من شأنها أن تضع حدا للوضع الراهن وان تعيد المياه لمجاريها كما كانت عليه قبل الانقسام البغض, أو أن يقوم الرئيس بتشكيل حكومة في الضفة الغربية بعيداً عن موضوع الوحدة في حال تملصت حماس من السير قدما بتنفيذ ما تم لاتفاق عليه مسبقا والذي بات مرجحا أن هذا الخيار هو الأوفر حظاً من سابقه.
وبعيدا عن الحسابات الحزبية فإن المصلحة الوطنية تتطلب وجود خطوات اجرائبة متبادلة متزامنة بأن واحد بين شطري الوطن من شأنها طوي ملف الانقسام المرير إن كان الطرفين جادين في ذلك واغتنام استقالة حكومة سلام فياض وتوظيفها لخدمة إنهاء الانقسام ضمن مخرجات اتفاقي الدوحة والقاهرة ولكن لا أعتقد أن مثل هذه الخطوة سيتم القيام بها كون المصلحة الحزبية غلبت على المصلحة الوطنية وبات جليا بان الشأن الفلسطيني ككرة قدم تعصف بها المتغيرات الإقليمية تزامنا مع ما تنسجم معه المصالح الحزبية أكثر منها مصلحة وطنية مشتركة مما سيجعل معه استحالة تغيير الوضع الراهن وفي أفضل حالات التقارب التي من الممكن التوصل إليها إن مورست ضغوط مضنية أن يتم التوصل لإدارة الانقسام بين شطري الوطن عوضا عن إنهائه فيما سيبقى السؤال المعضلة الذي لن يجد طريقا لإجابة تشفي صدور الفلسطينيين بهل سيتم التوصل لإنهاء الانقسام بمرحلة زمنية ليس لها بصيص أمل في الأفق يوحي بأنها بالزمن القريب وربما يستدعي ذلك التعايش والتأقلم مع الوضع الراهن ربما لسنين طوال وبعدها سيخلق الله ما لا تعلمون.