يوميات عامل في السماء
154 viewsعبد الكريم مصيطف
في حجرة لا يتعدى حجمها المتر المربع، يجلس أحمد كراجة ” أبو ايهاب” 49 عاماً، على ارتفاع ما يقارب المائة متر عن سطح الأرض، فهو يعمل في قيادة الرافعات أو “الكرين” منذ أن كان في السابعة عشرة من عمره، وأمضى اثنان وثلاثين عاماً متنقلاً بين المباني الشاهقة في مناطق ال 48 والقدس ووصولاً إلى مدينة رام الله.
كراجة الذي أجريناه معه حواراً بعد انتظاره حتى نزل من ارتفاع يقارب الخمسين متراً في مجمع بلدية البيرة الجديد، يقول:” أحب هذه المهنة كثيراً، فأنا استمتع بجلوسي لفترات طويلة في حجرة الرافعة، فهي تشعر الإنسان بالسيطرة والقوة، حتى أنها منحتني شخصية قوية في الحياة العادية”.
مهنة المخاطر التي لا تورث
يقول كراجة: إنها مهنة خطرة جداً، وتحتاج إلى التركيز الشديد والمتابعة بدقة وعناية، وأي خطأ مهما كان صغيراً قد يكلف حياة الكثير من الأرواح، وأكثر ما يخافه هو عدم انتباه العمال في موقع البناء، مما يؤدي إلى وقوع إصابات بالغة أو موت.
ورغم أن أغلب الناس في فلسطين يورثون مهنهم وحرفهم لأبنائهم، إلا أن كراجة له رأي آخر، فيقول إن ابنه البكر إيهاب حاول إقناعه بأن يُعلمه هذه المهنة، إلا أنه كان يرفض، ويعلل ذلك بقوله: “من شدة حبي لابني فإنني أخاف عليه من مخاطر هذه المهنة، ولا أريد له أن يتعلمها خوفاً من أن يحدث له مكروه”. إيهاب بدوره أطاع والده ولم يتعلم مهنة قيادة الرافعات، إلا أنه توجه إلى قيادة الجرافات والحفارات التي تأتي في الدرجة الثانية بعد الرافعات من حيث الخطورة.
ويمضي كراجة ما مجموعه عشر ساعات يومياً في حجرة الرافعة، إلا أن ما يتقاضاه على الساعة الواحدة لا يتجاوز ال 30 شيقلاً، حتى أنه لا يحصل على ميزات مثل الإجازات أو العطل الرسمية أو التأمين الصحي، فهذه الأمور يجب أن تكون أساسية وكفلها القانون الفلسطيني للعمال، إلا أنها تعتبر ميزات إضافية للعمال الذي يعملون بالساعة أو المياومة، ولا يحصل العامل عليها في كثير من الأحيان.
نهوض عمراني
ولا يكف الناظر والمتجول في مدينة رام الله عن مشاهدة الرافعات وهي تُقاد من أقرناء كراجة، وترى بناية تشيد أو حفارات تؤسس لعمارة، أو لوحة لبناء سوف يشيد قريباً، أما عن أقصى ارتفاع وصل إليه الفلسطينيون، فهو برج فلسطين التجاري في منطقة الإرسال بمدينة رام الله، الذي يعد الأطول حتى يومنا هذا، فحسب القائمين عليه، بلغ ارتفاعه 96 متراً عن سطح الأرض، ويعتبر بداية النهوض العمراني في فلسطين، ونقطة التحول في ثقافة البنايات الشاهقة التي يقف الاحتلال الإسرائيلي لها بالمرصاد بحجة الدواعي الأمنية وأنها تكشف مواقع “حساسة” وعسكرية.